دمج شركات التأمين العامة في مصر يفتح الباب للاستثمارات الأجنبية والعربية

القاهرة: ماجدة محمد

نصيب الفرد من محافظ التأمين في مصر لا يتعدى 17.2 دولار، بينما يبلغ المتوسط في الأسواق الصاعدة والدول المتقدمة 51.6 دولار («الشرق الأوسط»)
TT

في الوقت الذي أيد فيه العديد من الخبراء والعاملين بقطاع التأمين في مصر اتجاه الحكومة لدمج الشركات العامة العاملة في هذا المجال في كيان واحد، رأى آخرون أنه كان من الأجدر أن تقوم الحكومة بإدخال إصلاحات على هذه الشركات بعيدا عن الدمج الذي سيلقي بظلاله على العديد من القضايا المتعلقة بنشاط هذه الشركات.

وأجمع المؤيدون لقرار الدمج على أن هذه الخطوة ستجعل السوق المصرية أكثر جاذبية لاستثمارات شركات التأمين العربية والعالمية، خاصة العاملة فى نشاط التأمين التكافلي الذي انتشر بشكل ملحوظ في دول جنوب شرقي آسيا وبعض دول الخليج العربي، متوقعين تمكنه من استقطاب قاعدة كبيرة من المصريين لم تكن تقبل على التأمين لأسباب عقائدية، خاصة أن مصر تعاني حسب تعبيرهم من «مجاعة تأمينية» جعلت نصيب التأمين لا يتجاوز 1% من الناتج المحلي، بينما تتراوح هذه النسبة بين 2.5% و5% في دول أخرى، فضلا عن أن نصيب الفرد من محافظ التامين في مصر لا يتعدى 100 جنيه (17.2 دولار)، بينما يبلغ المتوسط في الأسواق الصاعدة والدول المتقدمة 51.6 دولار.

وأكد الدكتور عادل منير، رئيس الهيئة المصرية للرقابة على التأمين، أن قرار الدمج يعد بمثابة الخيار الأمثل لتحقيق أهداف الدولة من شركات التأمين العامة، موضحا أنه سيساعد على تحقيق التكامل بين الأنشطة وتدعيم المركز المالي للكيان الجديد.

وأضاف أن الدمج سيجعل السوق المصرية أكثر جاذبية لاستثمارات شركات التأمين العالمية والعربية في ظل تحسن المناخ وتمتع إحدى الشركات العامة وهي مصر للتأمين بتصنيف عالمي جيد.

وأكد أنه سبق قرار الدمج تطوير تشريعات التأمين وإنشاء الشركة القابضة للتأمين التي تعاقدت مع تحالف محلي ودولي، لدراسة أنسب السبل لتحسين أداء الشركات العامة وانتهت الدراسة التي استغرقت نحو عامين إلى خيار الدمج.

وتعمل ثلاث شركات حكومية فى مجال التأمين هي: مصر والشرق والتأمين الأهلية، بجانب الشركة المصرية لإعادة التأمين، وتستحوذ هذه الشركات على ما يقرب من 70% من سوق التأمين فى مصر، فيما تستحوذ نحو 17 شركة خاصة على النسبة الباقية بالغة 30%.

ووفقا لمؤشرات أداء الشركات الثلاث مصر والشرق والمصرية في 2006، فإن الكيان الناشئ عن عملية الدمج سيبدأ عمله بجملة أصول تزيد على 16 مليار جنيه (2.8 مليار دولار)، تمثل 72% من مجموع أصول سوق التأمين بكافة شركاته، وسيتصدر بذلك قائمة شركات التأمين في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط من ناحية إجمالي الأصول، يليه «وفا» المغربية بأصول 1.4 مليار دولار، ثم التعاونية السعودية 1.3 مليار دولار.

وأكد محمود عبد الله رئيس الشركة القابضة للتأمين التي تنضوي تحتها الشركات الحكومية الأربع أن الكيان الجديد سيساعد على تقديم خدمات جديدة لا توجد حاليا في السوق المصرية مثل التأمين على القروض وعلى المنقولات وأنواع من الخدمات والوثائق لا تعرفها مصر إلى جانب خدمات التأمين لنشاط التمويل العقاري بما يساعد على إعطاء دفعة كبيرة له.

ورأى بعض الخبراء أنه رغم الميزة النسبية للحصة السوقية المرتفعة للكيان الجديد والتي تصل الى 70%، إلا أن الميزة الأكثر أهمية هي سيطرته على 100% من عمليات فرع البترول داخل السوق، و98% من فرع الطيران، و65% من الطبي، و61% من البحري، و58% سفن، و57% حريق، إضافة الى 56% من فرع الهندسي الأكثر نموا داخل السوق.

ومن المنتظر أن يسعي هذا الكيان في بداية عمله الى تحقيق أرباح تزيد على المليار جنيه، مقارنة بنحو 610 ملايين جنيه في 2006، ورفع العائد على استثماراته بما يدفع صافي الدخل عليها الى تخطي حاجز الملياري جنيه.

ومن جانبه، أيد علاء الزهيري رئيس المجموعة العربية للتأمين «ايميك» خطوة دمج شركات التأمين الحكومية، مؤكدا أنها في صالح السوق.

وقال الزهيري إن التعديلات الجديدة التى تجريها الحكومة حاليا على قانون التأمين لزيادة رؤوس أموال الشركات إلى 150 مليون جنيه أو ما يعادلها ستعزز من تواجد الشركات الجادة فى الاستثمار، مستبعدا أن تمثل هذه التعديلات قيودا على دخول شركات جديدة السوق.

واعتبر أن قرار الدمج تأخر ثلاث سنوات وكان سيحدث فارقا لو طبق فى حينه، مشيرا إلى أن هيمنة القطاع العام على السوق حال دون دخول شركات منافسة وأن الدمج سيزيد من مستوى المنافسة العادلة في السوق، خاصة مع وجود 3 شركات عامة تستحوذ على 70% من السوق، بينما تستحوذ 18 شركة خاصة على 30% فقط وهي نسبة غير عادلة.

ومن جانبه، قال عبد الرءوف قطب رئيس بيت التأمين السعودي المصري وهي شركة تعمل في مجال التأمين التكافلي إن كيان الدمج إذا توفرت له مقومات جيدة من توافر رأس المال وخبرات الادارة سيحقق نجاحا في السوق المصري وسيتمكن من الاستحواذ على شريحة أعمال كبيرة، مؤكدا أن نشاط التأمين التكافلي هو الأعلى نموا في الوقت الراهن، كما أن نموه سيدفع السوق ولن يكون على حساب أنواع أخرى لأنه يجذب عملاء «جدد» ويزيد من حملة وثائق التأمين الباحثين عما يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية مثل فكرة البنوك الإسلامية سواء كانوا من المصريين أو العرب الذين وفدوا للاستثمار في مصر.

وأوضح قطب أن التأمين التكافلي سيخلق سوقا منافسة مع التأمين التجاري، مشيرا الى استقطاب هذا النشاط استثمارات عربية كبرى تمثلت في اعتزام شركتين جديدتين مزاولة نشاطهما في مصر في يناير المقبل، بعد حصولهما على تراخيص العمل.

وفي المقابل أعرب خيري سليم الرئيس السابق للهيئة العامة للرقابة على التأمين عن معارضته لخطوة الدمج، مشيرا إلى أن شركات التأمين العامة حققت معدلات نمو جيدة وما زالت تسيطر على الحصة الأكبر رغم فتح السوق منذ سنوات، لأن القطاع الخاص يركز فقط على تأمينات الحياة وقليل من الممتلكات.

وأضاف سليم أن الشركات العامة قابلة للإصلاح بعيدا عن الدمج، مشيرا إلى أن الدولة أولت اهتماما كبيرا بالبنوك ولم تلتفت لشركات التأمين رغم المطالبات المستمرة من جانب العاملين فى القطاع بإصلاح هذه الشركات والتى من بينها تعديل قانون التأمين على السيارات الذي يحقق حسائر كبيرة تحملتها الشركات العامة وحدها والذي لم يتم تعديله إلا مؤخرا بعد سنوات من المطالبات إلى جانب مشاكل الدمغة النسبية. وقال إن عدم تطور حجم السوق بالشكل المطلوب واستمرار ضعف مساهمة التأمين في الناتج المحلي بما لا يتجاوز 1% لا يعني سوء أداء هذه الشركات فتغيير الثقافة والبيئة الحاكمة للنشاط وتغيير القواعد التشريعية المعوقة هي الأصل. وأضاف أنه لا يرى أسبابا موضوعية وفنية لخطوة الدمج منتقدا ذوبان شركة اعادة التأمين في الكيان المدمج وهي الشركة الأولى المتخصصة في هذا المجال في أفريقيا والشرق الأوسط.

وقال إن الخبرة التاريخية توجب الحذر في إدارة عمليات إعادة التأمين حيث سحب الانجليز والفرنسيون تغطيات إعادة التأمين من السوق المصري خلال عام 1956 مما استوجب إنشاء شركة إعادة التأمين فلماذا نلغي شخصيتها الان؟ وطالب سليم بضرورة تحقيق الرقابة المالية على الشركات وتطبيق القواعد بعدالة بين العام والخاص وتهيئة السوق للمنافسة المفتوحة العادلة.

كما أكد إبراهيم عبد القادر مدير التسويق بشركة مصر للتأمين أن دمج الشركات الحكومية يحتاج إلى دراسة تفصيلية لكيفية دمج أنواع وأنشطة مختلفة من التأمين، خاصة أن كل شركة لها منتج يميزها عن غيرها.