نعمان الأزهري يقود المجموعة المصرفية في 10 بلدان.. 56 سنة خبرة و10 وصايا إدارية

بعدما حوّل بنك «لبنان والمهجر» الصغير إلى مجموعة إقليمية وأوروبية

TT

من واجب الدكتور نعمان الازهري ان يكتب سيرة ذاتية يعرض فيها تجربة 56 عاماً في العمل المصرفي والمالي، نجح عبرها في تحويل بنك لبنان والمهجر من مؤسسة مصرفية متواضعة الى مجموعة مالية متكاملة تتصدر المصارف اللبنانية وتمد وجودها المباشر الى 10 بلدان عربية واوروبية.

ومن حق الازهري ان يزهو بحيازة المصرف على اعلى تصنيف للقوة المالية بين المصارف اللبنانية وحصده جوائز دولية سنوية كأفضل مصرف لبناني وافضل مصرف للتمويل التجاري ولعمليات القطع، بالاضافة الى اختياره افضل مصرف لاستخدام التكنولوجيا على صعيد الشرق الاوسط.

بين هذا الواجب وهذا الحق، اختار الازهري إيداع اولاده، سامر وسعد وعمرو، عشر وصايا معلنة تلخص الدروس المستفادة لمسيرة مكللة بالنجاح، وسلمهم الصلاحيات الكاملة لإدارة المؤسسات المصرفية وشقيقاتها المالية والتأمينية، لينتقل الى المهمة الاصعب متسلماً منصب رئيس ومدير عام المجموعة.

ولا يعني انتقال الادارة التنفيذية من الاب الى الابناء ان عائلة الازهري تملك كامل اسهم المجموعة لكنها تحوز الحصة الاكبر للمساهمين الافراد وتحظى، وهذا الأهم، بثقة عارمة جماعية من المساهمين الاستراتيجيين مؤسسات وافراداً في مقدمهم «بنك اوف نيويورك».

ما هي قصة هذا الرجل النموذج لرجل الاعمال العربي؟ وما هي ابرز محطات مسيرته في قيادة مؤسسة مصرفية لا تتجاوز موجوداتها 5 ملايين دولار الى «سوبرماركت مالي» يدير اصولاً تناهز 16 مليار دولار؟

لا يتحدث الازهري كثيراً عن بدايات الطفولة والفتوة التي تبدو كحياته العملية في ما بعد جداً واجتهاداً. وكل ما يقال عن تلك الفترة يشير الى ان الرجل هو مثال التداخل الجغرافي والعائلي السوري اللبناني. فوالده سوري سكن في لبنان منذ 1912 وتزوج من لبنانية العام 1917، وعاد الى اللاذقية العام 1924.

وثمة تداخل ثقافي تعليمي بين البلدين، إذ ان الازهري نال شهادة البكالوريا ـ القسم الاول من مدرسة «الفرير» في اللاذقية، ثم انتقل الى لبنان لينال البكالوريا ـ القسم الثاني من مدرسة «الفرير» ايضاً. وينتسب لمدة سنة الى الجامعة الاميركية في بيروت لدراسة اللغة الانكليزية، ثم يسافر الى فرنسا لاكمال دراساته الجامعية حيث ينال بين العامين 1946 و1950 دكتوراه دولة في الاقتصاد، واجازة في العلوم السياسية، واجازة في الحقوق.

ويطيب للازهري ان يتحدث، على طريقته، عن مرحلة ما بعد الجامعة فيقول: «انهيت دراستي الجامعية العام، 1951 أي في الثالثة والعشرين من عمري، بعد حصولي من باريس على دكتوراه دولة في الاقتصاد واجازة الحقوق وديبلوم العلوم السياسية من جامعة (Sciences Po) L’institue d’etudes Politiques، عندئذ درست بإمعان افضل مهنة اختارها، فاتضح لي ان العمل المصرفي في لبنان وسورية واعد جداً للمصارف الوطنية الجديدة، اذ كانت مصارف اجنبية (معظمها فرنسية) مسيطرة على هذا القطاع. فاتصلت من باريس بالبنوك الفرنسية العاملة في لبنان وسورية فقدم لي «المصرف العقاري الجزائري التونسي» (CFAT) وهو فرنسي، رغم تسميته، افضل عرض ليس من الناحية المادية بل من حيث الافق المستقبلي، اذ فتح لي المجال ان ادخل مباشرة من الباب الكبير لأتسلم بسرعة المراكز الكبيرة، وفعلاً بعد فترة تمرين استمرت سنتين ونصف السنة، صعدت بسرعة سلم المراكز في الفروع السورية لهذا المصرف الفرنسي. وفي النهاية اسست مصرفاً سورياً تحت اسم «بنك الشرق العربي» الذي اشترى تلك الفروع السورية واصبحت بذلك رئيساً لمجلس ادارة بنك «الشرق العربي» في نهاية الخمسينات. ثم شغلت في سورية في مطلع الستينات وزارات المالية والاقتصاد والتخطيط والشؤون البلدية والقروية في وزارتين متتاليتين اعادتا تطبيق نظام الاقتصاد الحر».

ويضيف: «ما ان بلغت رأس الهرم المصرفي والمالي في سورية حتى شعرت ان التأميم الذي ألغي سنة 1962 سيعود ثانية (وهو ما حصل فعلاً سنة 1963). وصادف ان عرض عليّ في منتصف 1962 استلام ادارة مصرف لبناني صغير لم تكن موجوداته تتجاوز الخمسة ملايين دولار اميركي، لا يقارن ببنك الشرق العربي الذي كان في طليعة المصارف السورية. ووقعت في حيص بيص، فاخترت كعادتي حلاً يحفظ لي كافة الخيارات. فاستلمت ادارة بنك لبنان والمهجر في يوليو (تموز) 1962 في حين بقيت رئيساً لمجلس ادارة بنك الشرق العربي بعد ان عيّنت احد اعواني مديراً عاماً بالوكالة في هذا المصرف».

ويشرح: «كنت اعتقد، عند انتقالي الى بيروت، ان لبنان سيبقى مستقرا مزدهرا. ولكن لم يطل الوقت حتى بدأت الارضية المصرفية تتحرك فبدأت الازمات المصرفية تتوالى منذ 1964 فتوقف عدد كبير من المصارف عن الدفع الى ان حدثت كارثة بنك إنترا الكبرى سنة 1966. ثم بدأت الارضية السياسية تضطرب ايضاً الى ان بدأت الحرب الاهلية سنة 1975. ورغم ايماني بأن لبنان سيخرج من هذه الازمات قوياً، أسست على سبيل الاحتياط «هولدينغ» في اللوكسمبورغ (مستقلا عن بنك لبنان والمهجر) ولكن مع مساهميه انفسهم تقريباً، وتملكت هذه الـ «هولدينغ» مصرفاً فرنسياً (بنك بانوراب) ربطت به فروعنا الخارجية».

ويستذكر: «من الطرافة ان الارضية المصرفية تحركت بعدئذ من جديد، ولكن هذه المرة في فرنسا، عكس كل التوقعات، اذ نص البرنامج الانتخابي الاشتراكي الشيوعي في مطلع الثمانينات على تأميم جميع المصارف العاملة في فرنسا، ولما انتصر الحزب الاشتراكي الفرنسي برئاسة ميتران أمّم بالفعل كل المصارف المهمة باستثناء، ولحسن الحظ، المصارف المملوكة من اجانب. وبعد الاستقرار النسبي للاوضاع اللبنانية استعاد بنك لبنان والمهجر فروعه الخارجية واصبحت مجموعته بذلك ناشطة في عشر دول وموجوداتها فاقت الـ 15 مليار دولار ويزداد عدد فروعها باطراد ليبلغ قريبا المائة، نصفها تقريباً في الخارج».

ومن التجارب المستفادة في رحلته يشدد الازهري على امر يعتبره ميزة اساسية من ميزات بنك لبنان والمهجر فيقول: «انا واولادي لا نتعاطى اي نشاط آخر. ونحن منصرفون الى عملنا المصرفي انصرافا تاما ليس من حيث الوقت وحسب، بل، وهذا هو الاهم، من حيث التعاطي بأعمال اخرى، بحيث اذا جاءنا زبون فهو لا يخشى ان ننافسه على اي امر. فالزبون عندما يأتي عادة الى البنك مقترضا يكشف كل اوراقه ويفصح عن كل مشاريعه، والمهم ان يطمئن بأن البنك لا ينافسه. لهذا، انا واولادي والمديرون الرئيسيون لا نتعاطى اي عمل سواء كان صناعياً او تجارياً او عقارياً».

والى الانصراف الكلي للبنك يرى ميزة اخرى في بنك «لبنان والمهجر» يشرحها بالقول: «اعتبر ان رأس المال الاساسي هو وجودي انا واولادي مسؤولين عنه نتابع كل اعماله: سعد مسؤول عن لبنان والفروع التابعة له، سامر مسؤول عن اوروبا والفروع التابعة لها في الخليج (الامارات)، وعمرو مسؤول عن البنك التابع في سورية حيث لدينا شريحة كبيرة من الزبائن السوريين في سورية وفي لبنان».

وهل يمكن اعتبار بنك لبنان والمهجر قد دخل مرحلة البنك الاقليمي؟ يجيب: «نحن اصبحنا بنكاً اقليمياً وسيزداد توسعنا. والى ذلك، لدينا وجود في لندن وباريس وجنيف وهذا كاف باعتقادي. اما نيويورك فإنها صعبة ولا يمكننا ان نجتاز الاطلسي.. ولا يجب التفكير في نيويورك، زبائننا افراد ويمكن ان نخدمهم من خلال باريس ولندن وجنيف، خصوصاً ان اوروبا شريك تجاري رئيسي للبلدان العربية».

اما الوصايا العشر فهي ليست حكرا على الابناء بل لكل من يتبوأ مركزا مصرفيا وماليا متقدما وفيها:

* العمل المصرفي مهما تطور وتشعب يبقى بالاساس فن ادارة، بأمانة وحكمة واتقان، لأموال المساهمين والمودعين والمستثمرين بغية تأمين افضل مردود لها من دون المغامرة بها وبالتالي باستقرار مجمل القطاع المصرفي.

* الشطارة الزائدة في العمل المصرفي تؤدي في النهاية الى المغامرة بأموال الناس.

* قد يتعرض مصرف لأزمات ولكن لا يتعثر بالنهاية الا نتيجة لسوء امانة و/ او لروح مغامرة القيمين عليه.

* من الافضل ان لا يتعاطى المصرف او القيمون عليه اي عمل تجاري او عقاري او صناعي لكي لا تتعارض مصلحتهم مع مصلحة اي من الزبائن.

* القيمون من غير المساهمين الاساسيين في المصرف لا يتوخون مصلحته طويلة الاجل بل قصيرة الاجل لتقاضي اكبر المخصصات النسبية للارباح. الحل الامثل ان يكون للقيمين على المصرف مساهمة اساسية ومستقرة فيه من دون ان يكون لهم اغلبية الاصوات في الجمعيات العمومية حتى لا يفرضوا سيطرتهم على المصرف ولو كانت نتائج ادارتهم غير مرضية.

* استفد من الخبرات والاختبارات المصرفية السابقة.

* حسن تقدير المخاطر لا يكتسب بل يكون بالفطرة او لا يكون.

* النجاح في العمل المصرفي يقاس في النهاية بدرجة تحكم المصرف بالمخاطر والمصاريف وبمدى تقيده بنص الانظمة المصرفية وروحها.

* رأس المال الاساسي للمصرف، الادارة الكفوءة الحكيمة المهيأة علمياً ومهنياً والموثوقة اخلاقياً.

* التسرع في التوسع (لا سيما في اسواق جديدة) مليء بالمفاجآت والمخاطر.

وتجدر الاشارة الى ان اتحاد المصارف العربية اختار عام 1999 الدكتور نعمان الازهري «افضل شخصية مصرفية عربية» ما يدل على المكانة التي يتمتع بها ليس فقط على صعيد لبنان ولكن ايضاً على صعيد المنطقة العربية. كما تم خلال العام 2007 تكريم الدكتور الازهري من قبل مجموعة الاقتصاد والاعمال حيث منحته جائزة «الريادة في الإنجاز».