سعد الدوسري.. رجل من بلاد «النفط»

شرايين تجربته متشعبة في جسد «أرامكو السعودية»

المهندس سعد الدوسري
TT

يضبط المهندس سعد بن فهد الدوسري، رئيس شركة «بترو رابغ»، عقارب ساعته على مواعيد العصافير، حيث تجده قبل السابعة صباحا، جالسا يحدد خطة العمل اليومية، ولا ينتهي سوى مع غروب الشمس، وهو الأمر الذي يضع الموظفين العاملين تحت ضغط ومسؤولية كبيرة يقابلونها بابتسامة.

المهندس الدوسري تدرج في المؤهلات والمناصب، منذ تخرجه عام 1973 في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن ليعمل مهندسا في إدارة الخدمات الاستشارية في شركة أرامكو السعودية، حيث كانت مصافحته الأولى لميدان العمل.

ويفضل كبير الاداريين التنفيذيين في «بترو رابغ»، أن يناديه العاملون معه بـ«أبي ماجد» الذي يسير على خطى والده في الاستعداد لدراسة الماجستير مبتعثا من «أرامكو السعودية». بما يعكس شخصيته ذات «الكاريزما» العالية على كل المحيطين به.

العاملون في موقع المشروع الممتد على نحو 20 كيلومترا (غرب السعودية)، كلهم باتوا يعرفون سيارة «الجيب» المتواضعة التي يتنقل بها، أهم رجل ميداني في «بترو رابغ» تلك الشركة التي يتقاسم رأسمالها عملاقا النفط «أرامكو السعودية» و«سيموميتو» اليابانية. فيما يبدي البعض منهم دهشته، وهم تحت درجات حرارة عالية: «لماذا لا يتنقل هذا الرجل بسيارة فارهة؟».

وخلال يوم عمل مهني حضرته «الشرق الأوسط»، بدا الرجل لأول مرة ببزة العمل الرسمية، معتمرا قبعة السلامة، يمازح موظفيه، ويدعوهم لوجبة الغداء في ساعة «الاستراحة» اليومية، ترصده الأعين «اليابانية» من كبار الموظفين العاملين معه، وهو يلقي «النكات» ويعبر عن روح «شبابية» لاينم عنها الشعر «الأشيب» الذي بدأ يغزو رأسه، رغم أنه لم يتجاوز عامه السابع والخمسين.

والمهندس الدوسري، الذي عيّن اوائل عام 2005 رئيسا تنفيذيا، وعضوا في مجلس «إدارة رابغ»، يتربع على أكثر من 30 عاما من الخبرة في مؤسسات مختلفة تحت مظلة «أرامكو السعودية»، من بينها عمله في إدارة مشروع تطوير مصفاة تكرير رأس تنورة، ومدير للمشتريات في شركة «خدمات أرامكو» في هيوستن الاميركية. إضافة إلى سلسلة طويلة من المراحل التي أنضجت تجربة الرجل، وأبقته أمينا على أحد أكبر مشاريع الصناعات البتروكيماوية وتكرير النفط في العالم.

وخلال الشهر الماضي، وجد موظفو العلاقات العامة أنفسهم في مأزق كبير مع رحلة مجدولة للصين، يجب على المهندس الدوسري اللحاق بها، والسفر برا من رابغ باتجاه مطار الملك عبد العزيز الدولي في جدة التي تزيد المسافة بينهما عن 150 كيلومترا، إلا أن الدوسري كان مصرا على تسليم أول دفعة من خريجي «بترو رابغ» من الشباب السعودي شهاداتهم يدا بيد. تلك اللفتة لا ينساها الخريجون. ويقولون إنها كانت «شهادة أخرى قدمت لهم».

ويحرص الدوسري على إضفاء لمسات إنسانية في نفوس الموظفين، إذ يقيم كل مساء اثنين عشاء للموظفين العاملين في قطاعات المشروع المختلفة، ولا تكاد تجمعهم سوى هذه الساعة المسائية من كل أسبوع. الموظفون باتوا يحفظون عن ظهر قلب شخصية مهندس مشروع بترو رابغ، إذ يربت على «كتف الموظف» عندما يجد عملا رائعا، ويواجهه بالاخطاء عندما يحدث تقصير ما. فيما يمنح الصلاحيات والثقة بسخاء لا ينافسه سوى كرم ابتساماته التي يرى العاملون معه أنها «تكرر طاقاتهم، وتنقب عن إبداعاتهم، وتستخلص أفضل ما عندهم، في سباقهم اليومي مع الزمن». ويبدو الرجل دقيقا، ولا يترك مجالا لاحتمالات «التقصير»، إذ تشكل احدى سماته الادارية، التفكير في ما قد يحدث، أي أنه دائما «حاضر بخطوة قبل حدوث المشكلة»، الأمر الذي يفسر التناغم في أداء المشروع العملاق على ساحل المدينة الصغيرة رابغ.

والشاهد، أن المكتب الصغير الذي يقضي فيه الدوسري نحو 13 ساعة يوميا، يبدو بسيطا للغاية مع حجم الدور الذي يلعبه الرجل، في قيادة أكثر من 38 ألف موظف وعامل، من مختلف دول العالم، وشركة عملاقة تسبح على بحر من النقود والطموحات، تتجاوز سقف 10 مليارات دولار.