الخليجيون يتهيأون لإقرار «خريطة طريق» للصناعات المعرفية

لمحاولة توظيف مواردها المالية لاستقطاع جزء من «كعكة» سوق عالمي تقدر بـ 100 مليار سنويا

أحمد حسن ضيف («الشرق الاوسط»)
TT

يجمع الشهر المقبل خبراء خليجيون لإقرار خريطة طريق للصناعات المعرفية يمكنها أن تضع الدول الست في ريادة هذه الصناعة الهامة، حيث يعقد في العاصمة القطرية الدوحة يومي 11 و12 من فبراير (شباط) المقبل أول مؤتمر خليجي للصناعات المعرفية وتقنيات النانو، تنظمه منظمة الخليج للاستشارات الصناعية «جويك»، بالتعاون مع المنظمة العربية للتنمية الصناعية والتعدين، والمؤسسة العربية للعلوم والتقنية، وبمشاركة متحدثين عالميين. ويهدف المؤتمر إلى التعريف بالصناعات المعرفية وتشخيص الأساليب والآليات العملية لتمكين دول المجلس من الانطلاق في هذه الصناعة إضافة إلى تقديم إستراتيجية متكاملة لدول الخليج في هذا المجال.

وأوضحت بيانات منظمة الخليج للاستشارات الصناعية أن الحجم المقدر للسوق العالمي للصناعات البيولوجية، كإحدى نماذج الصناعة المعرفية، يصل نحو 100 مليار دولار سنوياً، وقد حققت هذه الصناعة نمواً مضاعفاً خلال العشر سنوات الأخيرة. وأفادت «جويك» أن منطقة الخليج مهيأة لممارسة دور مهم في هذه الصناعة بالارتكاز على مجموعة من العوامل، من بينها توفر السيولة والمناخ العام للاستثمار. من جانبه، قال أحمد حسن ضيف، الأمين العام المساعد لقطاع المعلومات، لـ«الشرق الأوسط» إن الأبحاث التي أجرتها المنظمة أفادت بأن الدور الكبير للصناعات المعرفية يعتبر ركيزة أساسية في مستقبل دول مجلس التعاون الخليجي، والذي يدعمه نمو مؤشر إنفاق بعض دول المجلس على البحث والتطوير.

وقال ضيف إن المنظمة تسعى للاستفادة من السيولة المتوفرة لدى دول الخليج العربية جراء عوائد النفط المرتفعة لاستثمارها في أحد أهم الحقول الاقتصادية وهو اقتصاد المعرفة.

وذكرت «جويك» أن تقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لحجم المبيعات من الصناعات البيولوجية تشير إلى نحو 82.9 مليار دولار في عام 2003، بينما تشير تقديرات آرنست آند يونغ إلى أن أرباح الشركات من الصناعات البيولوجية بلغت عام 2006 نحو 73.5 مليار دولار.

في حين شدد ضيف على أن احتياجات العالم من الابتكارات العلمية والتقنية ترتكز حالياً على عدد قليل من الدول الصناعية، وهو ما يؤهّل هذه الدول للمنافسة المحمومة في إعادة تصميم وهيكلة الاقتصاد العالمي، أما الدول الأخرى فستضيع فرصتها للاستفادة من هذه الابتكارات إن لم تبادر بتوفير متطلبات الالتحاق بهذا السباق، وقد ينتهي بها المسار إلى التراجع لتصبح في الدرجة الثانية أو الثالثة في منظومة التصنيف الاقتصادي والاجتماعي العالمي.

وحدد ضيف تقنيات النانو والبيولوجيا وتقنيات الاتصالات والطاقة والبيتروكيماويات كأحد أبرز مجالات الاستثمار في حقل الصناعات المعرفية التي تسعى لها دول المجلس. والصناعات المعرفية هي الصناعات التي تقوم بتوظيف العلوم والتقنية والمعرفة للمادة كمدخل رئيس لتطوير صناعات حديثة. وقال ضيف إن الأبحاث التي أجرتها المنظمة كمقدمة لتنظيم مؤتمرها الأول أعطت مزيداً من الآمال بتقدم الأبحاث في مجالات معرفية متطورة من شأنها أن ترفد الصناعة الخليجية بمزيد من التقدم والتكامل.

وأضاف أن الصناعات المعرفية تتميز عن الصناعات التقليدية التي تقوم على المدخلات المادية كمدخل رئيس في الصناعة، مفيدا أن الصناعات الأساسية كالبلاستيك والفولاذ ـ على سبيل المثال ـ يتوقع لها أن تحقق نموا جديدا بفضل تطبيق التقنية متناهية الصغر.

وتسهم هذه النماذج والأمثلة وفي حديثه أوضح ضيف، أنه نمت مؤخرا وبشكل قوي ظاهرة الرغبة في الخوض في الاستثمارات المرتبطة بصناعات حديثة قائمة على التقنية وتطويرها في دول متقدمة صناعيا.

وأشار إلى أن الالتزامات الرئيسة لحكومات دول المجلس التي انتمت لهذه الظاهرة، اشتملت على تقديم دعم شامل لتنمية الجيل القادم من التقنيات في مجالات جديدة مثل التقنيات الصغيرة والمتناهية الصغر، موضحا أنه غدا النظر إلى هذه الصناعات الجديدة، المعرفية، فاتحة نحو تحقيق ثروة اقتصادية في القرن المقبل وما بعده. وتتسم هذه التقنيات، بالإضافة إلى إمكانية تطويرها، بقابليتها للتطبيق على مجموعة واسعة من الصناعات بما فيها تلك التي أدت إلى تحقيق الثروة الحالية التي تتمتع بها دول المجلس. وذكر ضيف أن منظمة الخليج للاستشارات الصناعية أخذت على عاتقها المبادرة بتوظيف مؤسسات مرموقة وخبراء لتقديم يد العون في تطوير خريطة طريق للصناعات المعرفية في دول مجلس التعاون الخليجي، واتفقت مع معهد متخصص هو Global Emerging Technology Institute (GETI) لإجراء الدراسة المطلوبة، ولإعداد خريطة طريق مفصلة لتطوير الصناعات المعرفية في دول المجلس. وأبان أن خريطة الطريق تعمل على تطوير فهم الميزات النسبية ونقاط الضعف في المنطقة، بناءً على رصد عالمي ومقارنات موضوعية للمبادرات التي اتخذت في دول أخرى، وتحسين القدرة على التنبؤ الاقتصادي الكلي على المدى الطويل بالارتكاز على معلومات دقيقة وبيانات مقارنة.

وأوضح أن الخريطة ستحتوي كذلك على توزيع الموارد بشكل فعال على المجالات التي يتوقع منها أرباحاً عالية، مع الأخذ بعين الاعتبار الحاجة إلى دعم البنية التحتية العامة وخلق فرص العمل، ودعم تأسيس برامج البحث العلمي في الجامعات التي تقود إلى تطوير الخبرات المحلية، والقوى الماهرة في المنطقة.

وأضاف أنها ستعمل أيضا على بناء قاعدة للعمل المشترك والترويج له بين مختلف الأعمال والقطاعات وخفض الكلف المحتملة لبرامج البحث والتطوير، وعمليات الاتجار وتحسين مستوى رضى العملاء والحفاظ عليهم وعلى ولائهم والقدرة على التفاعل السريع مع تغيرات السوق وكذلك القدرة على رصد أسس المنافسة ومعاييرها القياسية. وتحتوي خريطة الطريق ـ وفقا لضيف ـ على ايجاد نظرة شاملة على التقنيات الناشئة والنشاطات التجارية ونشاطات التعاون بين الجامعات والصناعة وايجاد نظرة على القطاعات الرئيسة واتجاهات البحث والتطوير في دول المجلس والتنبؤات في مجال التقنية لعام 2020، وتشخيص التقنيات الناشئة الهامة لدول المجلس وتحويل الصناعات المعرفية إلى نشاطات وبرامج تجارية في دول المجلس وتطوير خطة للصناعات الناشئة في دول المجلس.

وقال ضيف أن الوصول الى بناء متكامل للصناعات المعرفية يستدعي اعادة تشكيل وصياغة النظام التعليمي في منطقة الخليج، لأن القدرات المالية لوحدها لن تكون كافية لإحداث هذا التغيير نحو تدعيم اقتصاديات المعرفة ودون تطوير العنصر البشري المؤهل. وأشار إلى أنه تم تحديد خمسة مجالات صناعية تمثل حاجات المنطقة الخليجية أو تضع حلولاًً لمشاكلها، أو تلك التي تمتلك فيها بعض دول المجلس ميزات تنافسية، وهذه المجالات هي، تحلية المياه، البيتروكيماويات، الطاقة، الصحة، وقطاع البناء.