مصر: القطاع المصرفي الخاص «ينتعش» والعام «يرتعش»

بدفع من استحواذات عربية وعالمية قادمة فى ظل إحجام البنك المركزي عن إعطاء تراخيص جديدة

أدى امتناع البنك المركزي المصري عن إعطاء تراخيص جديدة إلى جعل الاستحواذ الخيار الوحيد امام المستثمرين («الشرق الأوسط»)
TT

موجة جديدة من الاستحواذات قادمة وبقوة، خاصة مع وجود بنوك صغيرة خاصة تحسنت مراكزها المالية كنتيجة للإصلاح المصرفي الذي قاده البنك المركزي المصري منذ عام 2004. هذا ما يتوقعه المراقبون والعاملون في القطاع المصرفي المصري وهم يشيرون إلى أن تلك الموجة ليست جديدة لأنها بدأت منذ ثلاث سنوات حيث تمت 13 عملية دمج واستحواذ في القطاع المصرفي خلال تلك الفترة إلا أن أحد أهم الجوانب الجديدة للظاهرة هو ارتفاع أسعار الصفقات المقبلة.

ويؤكد حاتم علاء، الباحث المتخصص في مجال البنوك، أن الاستحواذات القادمة ستكون أعلى سعرا من سابقاتها لأن عدد البنوك المتاحة للبيع أصبح أقل نسبيا. وأورد تقرير حديث لمؤسسة «إي إف جي هيرميس» أن استمرار امتناع البنك المركزي عن إعطاء تراخيص جديدة يجعل الاستحواذ على بنك قائم هو الطريقة الوحيدة لدخول السوق ذات احتمالات النمو الكبيرة.

ويضيف التقرير أن 70 فى المائة من بنوك القطاع الخاص الحالية بالسوق هي بالفعل فروع أو تابعة لبنوك أجنبية وإقليمية.

وبالتالي ليست في الغالب على قائمة الاستحواذ أي أن المعروض محدود، مشيراً إلى أن أسعار الصفقات ستكون مرتفعة أيضا نتيجة وجود فوائض ضخمة في دول الخليج تسمح لبنوك تلك الدول أن ترفع من عروضها المقدمة لشراء أي بنك في مصر.

ويترقب الاقتصاديون خلال النصف الأول من العام الحالي 2008 حدوث عدة صفقات في القطاع المصرفي بسبب سياسة الخصخصة الحكومية، حيث تشير المصادر الرسمية إلى أنه من المتوقع خلال العام طرح 15 في المائة من بنك الإسكندرية انتيسا سان باولو في البورصة، الذي باعت الحكومة بنظام المزايدة، في نهاية 2006 حصة بلغت 80 فى المائة من البنك إلى البنك الإيطالي بثمن فاق أكثر التقديرات تفاؤلا. وتوقع علاء أن تباع تلك الحصة بثمن أعلى من خلال البورصة، وهو ما سيؤدي إلى رفع قيمة كل أسهم القطاع. وتشير المصادر أيضا إلى أن الصفقة الأهم هي بيع شريحة تصل إلى 67 فى المائة من بنك القاهرة الحكومي، ثالث أكبر بنك في السوق ومن المتوقع أن يفوز تحالف عربي أو أجنبي بهذا البنك الأمر الذي سيزيد من المنافسة الشرسة في السوق. وتشكل تلك المنافسة المزيد من الضغط على البنكين الحكوميين التجاريين المتبقيين وهما «البنك الأهلي» و«بنك مصر». وقال مسؤول بأحد بنوك القطاع العام اننا نتعرض لمنافسة قوية من البنوك الأجنبية، خاصة في مجال الائتمان للقطاع العائلي. ويضرب مثلا بمبادرات بنوك أجنبية لتخفيض سعر الفائدة على كروت الائتمان الشخصية، وتسويق خدمات التجزئة متفوقة بذلك على بنوك القطاع العام. وببيع بنك القاهرة، خلال 2008، سيفقد القطاع العام حصة تبلغ حوالي 7 في المائة من السوق. فهل معنى ذلك أن بنوك القطاع العام فقدت عرشها؟ الإجابة هنا وبقوة لا. فعلى الرغم من وجود 38 بنكا قطاع خاص محليا وأجنبيا، وثلاثة بنوك قطاع عام، هي البنك الأهلي وبنك مصر وبنك القاهرة، إلا أن البنوك الحكومية ستظل في الأجل المنظور في مكانة متقدمة، كما يؤكد تقرير «إي إف جي هيرمس» عن البنوك والذي أصدرته في منتصف ديسمبر (كانون الاول) الماضى، حيث تضم تلك البنوك نصف الودائع المصرفية وتقوم بحوالي 40 فى المائة من عمليات الإقراض المصرفي، وذلك من خلال شبكة من الفروع هي الأكثر انتشارا في أرجاء مصر، ويبلغ عددها مجتمعة 924 فرعا، في حين يوجد بنكان فقط من القطاع الخاص تزيد حصتهما من السوق على 5 في المائة، ومعظم الباقي يقل نصيبهم عن 2 في المائة. ومع ذلك، تحذر الخبيرة المصرفية الدكتورة سلوى العنتري رئيسة قسم البحوث بالبنك الأهلي، من الاستهانة بالمنافسة، خاصة من جانب البنوك الأجنبية والتي تملك حصصا حاكمة في 13بنكا في مصر وتلفت العنتري إلى أن البنوك الحكومية كانت قد بدأت منذ 2004 تستعد لتقوية مركزها التنافسي من خلال عدة إجراءات. أولها: تسوية 50 في المائة من المديونيات المتعثرة، موضحة أنه من المتوقع أن يتم إغلاق هذا الملف في 2008، سواء ديون القطاع العام الذي تكفلت الحكومة بسدادها، والتي يتبقى منها آخر دفعة خلال العام الحالي. وثانيها مديونية كبار المتعثرين والتي من المنتظر أن تستكمل أيضا خلال العام. إلا أن هذا الإجراء لا يكفي وحده لتحقيق سلامة المراكز المالية لتلك البنوك. فتذكر العنتري أن البنوك العامة طلبت من الحكومة زيادة رؤوس أموالها. وفي حين تمت الاستجابة جزئيا لبنك مصر في 2007، ما زال طلب البنك الأهلي معلقا. أما على صعيد الربحية والكفاءة، فتظل البنوك العامة في مكانة متأخرة، مقارنة بربحية بنوك القطاع الخاص الكبيرة. وهذه تتطلب مزيدا من الوقت لتحسينها، فكما يلحظ تقرير عن النظام المصرفي صادر في أغسطس (آب) 2007، عن مؤسسة موديز العالمية تتوقع أن يستغرق الإصلاح في البنوك العامة بضعا من الوقت. ويؤيد مصدر مصرفي مضطلع هذا الرأي، حيث يكشف لـ«الشرق الأوسط» أن هناك مقاومة للإصلاح على صعيد القيادات في البنوك العامة ولذا فعملية الإصلاح تتم أبطأ مما يجب. وتشدد سلوى العنتري من جانبها على صعوبة التقدم على جبهة المنافسة، موضحة أن «هذه جبهة خطيرة، تتطلب وقتا، مثلا كيف تنجح في جذب عملاء جدد على ناحية الودائع، ومن ناحية أحرى كيف تدير أنواع جديدة من المخاطر الناجمة عن أدوات ائتمانية جديدة». وتؤكد العنتري أن نجاح البنوك العامة في المنافسة يتوقف على السرعة التي تتم بها الإصلاحات المطلوبة وترى أن البنوك العامة ما زالت مكبلة بعقبات بيروقراطية والتزامات تفرضها عليها الحكومة تحد من ربحيتها، محذرة من أنه «إذا ما استمر الأمر كذلك، سينتهي بالقطاع الخاص إن يسبق البنوك الحكومية». وتؤيد الأرقام تلك النبوءة حيث زادت نسبة بنوك القطاع الخاص من الإقراض من 23 في المائة إلى 33 في المائة خلال الفترة من 2002 إلى 2006، في حين تقلصت بشكل طفيف نسبة بنوك القطاع العام من الإقراض من 39.9 في المائة إلى 38.9 في المائة. أيا ما كان الأمر، فإن عوامل الضعف تلك لن تقطع شهية المستثمرين الأجانب عن شراء أي حصص عامة تطرح للبيع، كما يجزم الخبراء، وكما تؤكد التجربة. وبخلاف الصفقات التي يترقبها السوق خلال العام الحالي، هناك فرص أخرى تلوح للاقتناص، ما بين بنوك عامة وخاصة ومشتركة، حيث يؤكد تقرير «إي إف جي هيرمس»، أن هناك بنوكا مصرية صغيرة الحجم «جاهزة للأكل».

مستعرضا أداء عدد من تلك البنوك تمثل في مجموعها 8 في المائة من إجمالي الودائع و7 في المائة من إجمالي القروض في السوق المصرفية، من ضمنها: بنك قناة السويس، بنك فيصل الإسلامي، والبنك المصري الخليجي. حيث يتوقع التقرير أن تعاني تلك البنوك من منافسة شرسة من البنوك الأجنبية والخاصة ذات الحجم الأكبر في السوق، إذا بقيت على حالها. مما يمكن أن يؤدي إلى تقليص نصيبها من السوق. بينما قد يوفر لها الدمج أو الاستحواذ ملاذا آمنا.

ومن ناحية أخرى، يتوقع التقرير أن تقدم الحكومة على طرح حصصها في بنك الإسكان والتعمير وبنك تنمية الصادرات للبيع خلال هذا العام أيضا، وإن لم يتم الإفصاح عن ذلك رسميا حتى الآن. ويضع التقرير المصري الخليجي على رأس ترشيحاته للبيع خلال العام المقبل، وهو مصرف صغير يمثل 0.5 في المائة فقط من السوق، إلا أن معدل ربحيته ازداد خلال السنوات الأربع الماضية، خاصة بعد تولي إدارة جديدة منذ مطلع العام الماضي، عززت من نشاط البنك عن طريق تمويل التجارة وإقراض المؤسسات. ويرجع سبب ترشيحه للبيع إلى تركيبة المساهمين به. حيث لا يمتلك أحد منهم حصة حاكمة في البنك. فمجموعة محمد محمود الاستثمارية تملك 19.9 في المائة من الأسهم، كما أن 19.4 في المائة من أسهمه تعود لشركة مصر للتأمين، ومن المنتظر أن تبيع حصتها تلك في إطار عملية الدمج الجارية حاليا بين شركات التأمين الحكومية الثلاث. هناك أيضا 42 فى المائة من أسهم البنك تمتلكها بعض العائلات السعودية والكويتية والتي قد ترغب في بيعها إذا ما كان السعر المعروض مغريا. وأخيرا، تملك مجموعة النعيم المالية 10 في المائة من إجمالي شريحة تبلغ 19 في المائة مطروحة في البورصة. وفي النهاية، تبقى لعمليات الدمج الاستحواذ الكلمة العليا في القطاع المصرفي. حيث يجمع المراقبون على أن القطاع المصرفي مازال مقسما على عدد من البنوك أكبر مما يجب. فبالرغم من أن عدد البنوك قد تقلص من 60 في المائة 2003 إلى 41 في المائة 2007، إلا أن السوق ما زالت في حاجة إلى مزيد من التركز. وقد أعلن محافظ المركزي أكثر من مرة أن العدد المناسب هو 25 بنكا لكن ليس هناك إعلان رسمي عن التوجه لتقليص البنوك القائمة الى هذا العدد.