حفيظ العلمي.. «الفتى الشقي» لقطاع المال والأعمال المغربي

أصغر رئيس لاتحاد المقاولين المغاربة

حفيظ العلمي
TT

في ظرف 5 سنوات، أي ما بين 2002 و2007، استطاع رجل الأعمال المغربي مولاي حفيظ العلمي، أن يبني مجموعة اقتصادية أخطبوطية، تزن 3.5 مليار درهم (450 مليون دولار)، وتملك محفظة أعمال جد متنوعة تضم شركات تأمين، وشركة لسلفات الاستهلاك، وشبكات للتوزيع العصري، وعلامات تجارية خاصة، وفروعا في الاتصالات والتقنيات المعلوماتية، والعقار، والخدمات المرحلة، بالإضافة إلى امتدادات لأعماله خارج المغرب خاصة في أوروبا.

في بداية مساره كرجل أعمال، أذهل العلمي المجتمع الاقتصادي المغربي بقوة نشاطه، وسرعة تحركه، فوصف تارة بأنه مغامر، وأخرى بالفتى الشقي للساحة المالية المغربية. غير أنه استطاع مع مرور الزمن وتألق مجموعته المالية، التي أطلق عليها اسم «سهام»، أن يثبت أن كل خطواته كانت محسوبة بدقة، وأنه ينتقي استثماراته وأعماله بعناية، ويتمتع بحس اقتصادي مرهف وبقدرة فائقة على التعرف على الفرص الحقيقية للاعمال وكيفية استغلالها. واستطاع الرجل ان يكسب احترام الجميع، ويحقق حوله الإجماع خلال انتخاب رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب في منتصف السنة الماضية، ليصبح اصغر رجل اعمال يتولى هذا المنصب منذ تأسيس الاتحاد.

وقبل أسابيع تمكن العلمي من تحقيق حلم طفولته بأن يصبح مصرفيا، وذلك عبر شرائه حصة 4% من مصرف القرض العقاري والسياحي، وهي حصة كافية لتخوله الحصول على صفة «مصرفي» مع كل الامتيازات المرتبطة بهذه الصفة، خاصة فيما يتعلق بالضمانات المالية.

ولد العلمي بمراكش سنة 1960، وترعرع في وسط عائلي منفتح على عالم الأعمال، إذ كان جده تاجر سيارات، وكان والده يعمل مديرا لوكالة مصرفية. ورغم أن والده توفي وعمره لم يتجاوز 10 سنوات، إلا أنه حصل على أفضل تعليم ممكن، ونال شهادة الباكالوريا (الثانوية العامة) من ثانوية فيكتور هوغو، التابعة للبعثة الثقافية الفرنسية، كغيره من أبناء النخبة المراكشية، قبل أن يتجه إلى كندا لاستكمال دراسته العليا، حيث حصل على شهادة الماجستير في المعلوميات من جامعة شيربروك.

بدأ العلمي مساره المهني في سن مبكرة، وذلك خلال مقامه بكندا. فمباشرة بعد تخرجه، في بداية عقد الثمانينات من القرن الماضي، جمع بين وظيفة تدريس المعلوميات بجامعة لافال في منطقة الكيبيك، وبين وظيفة مستشار لدى وزارة المالية الكندية. لكن سرعان ما دخل عالم التأمينات عبر التحاقه بشركة التأمين الكندية «سان موريس» حيث تدرج بسرعة ليحتل منصب مدير الأنظمة المعلوماتية للشركة، قبل أن تستقطبه مجموعة «التضامن الفريد» للتأمينات، التي تعتبر ثاني أكبر مجموعة للتأمين في كندا، ليشغل فيها منصب نائب الرئيس لمدة 3 سنوات.

في سنة 1988، وخلال عطلة له بالمغرب، اتصل به رجل الأعمال المغربي روبير أسراف، الذي كان آنذاك مديرا عاما لمجموعة «أونا» (أومنيوم شمال إفريقيا)، وهي أكبر مجموعة مالية مغربية، وتسيطر على رأسمالها العائلة الملكية. وفي السنة الموالية عين العلمي مديرا عاما لـ«الشركة الأفريقية للتأمين» التابعة لمجموعة «اونا». غير أن مزاياه وقدراته سرعان ما جعلته مقربا من مركز القرار في مجموعة «أونا»، فتم تنصيبه كاتبا عاما (وكيلا) للمجموعة في سنة 1994، ليساهم في صياغة الاستراتيجية الجديدة للمجموعة، إلى جانب رئيسها آنذاك فؤاد الفيلالي، والتي كان من أبرز محاورها انفتاح الرأسمال على مساهمين جدد مغاربة ودوليين، وتركيز النشاط حول المهن التقليدية للمجموعة.

غير أنه سرعان ما برزت خلافات بين الرجلين، خاصة مع إقدام الفيلالي، صهر الملك الحسن الثاني آنذاك، ورئيس المجموعة، على تعيين الفرنسي جيل دينيستي مديرا عاما لمجموعة «أونا». فقرر العلمي في سنة 1996 الانسحاب من المجموعة، والعمل لحسابه الخاص. وبقيمة التعويضات التي حصل عليها من «اونا» استطاع أن يشتري حصصا من شركة «أكما» للوساطة في التأمين، التي كانت «أونا» تملك 100% من رأسمالها. وكانت «أكما» تسيطر على نحو 5% من السوق في مجال الوساطة في التأمين بالمغرب. وتحالف العلمي مع رجل الأعمال عثمان بنجلون من أجل السيطرة على رأسمال شركة «أكما»، ثم وضع مخططا لتطويرها عبر إعادة هيكلتها وتطهير حساباتها، من جهة، وعبر ابتلاع شركات أخرى تعمل في نفس المجال وإدماحها من جهة ثانية، بالإضافة إلى ربط شراكة مع شركة «مارتش مكلينان» الأميركية المتخصصة بالوساطة في التأمين، وذلك قبل أن يطرح حصة 22% من رأسمال الشركة في بورصة الدار البيضاء. وسرعان ما ارتفع سعر أسهم الشركة، من 425 درهما (55 دولارا) عند الإدراج إلى 1100 درهم (141 دولارا) بعد بضعة اسابيع. وبدأت الشركة تجذب اهتمام المستثمرين وبدأت العروض تتنافس على شرائها من داخل وخارج المغرب. وأبدت مجموعة «أونا» اهتماما باسترجاع شركة «أكما»، وتوصلت إلى اتفاق مع العلمي لشرائها بسعر السوق في سنة 1999.

خرج العلمي من هذه العملية الأولى في السوق المغربية غنيا جدا، إذ قدرت أرباحه فيها بنحو 126 مليون درهم (16.2 مليون دولار) في بضعة شهور، وهو ما لم يستسغه البعض ولم يفهمه البعض الآخر. فبدأت ألسنة السوء تتحدث، وأطلق تحقيق في هذه العملية، ولم يكشف عن أي شيء. ففضل العلمي في هذه الظروف الرجوع إلى كندا والغياب عن وطنه بضعة أعوام قبل أن يعود اليه ثانية في سنة 2002.

ومنذ عودته عرفت مجموعته توسعا سريعا منقطع النظير، إذ ارتفع رقم معاملاتها بنسبة 182% في السنة في المتوسط خلال الأعوام الخمسة الأخيرة. ومن أبرز العمليات التي قام بها خلال هذه الفترة شراء حصص «المجموعة العربية للتأمين» (أريج) البحرينيية، والبالغة 67% من رأسمال شركة «سينيا» للتأمين المغربية في سنة 2005، ثم اشترى شركة التأمين «السعادة»، التي كانت بحوزة عائلة الوزاني خلال سنة 2006. وبذلك أصبح العلمي يستحوذ على حصة 15% من سوق التأمينات بالمغرب. كما سيطر خلال السنة الماضية على شركة «تسليف» للقروض الشخصية.

كما أطلق خلال السنة الماضية شركة اتصالات افتراضية تحت اسم «موبيسود» في فرنسا، بشراكة مع مجموعة «فيفاندي» الفرنسية من خلال فرعيها «إس.إف.إر» بفرنسا و«اتصالات المغرب» في المغرب. وتوجه شركة «موبيسود» خدماتها للجالية المغربية المقيمة بفرنسا.

وفي المغرب، أنشأ شركة «سهام تيليفوني» المتخصصة في توزيع منتجات شركة «وانا» صاحبة الرخصة الثالثة للهاتف الثابت بالمغرب. وتضم مجموعته العنكبوتية شركتين في مجال التقنيات الحديثة، وعدة علامات تجارية أبرزها «باست مونتن» و«سيرجون ماجور» لملابس الأطفال و«بيجدل» للموضة والتأثيت المنزلي، التي فتحت أخيرا فرعا لها في باريس.