إنشاء صندوق استثمار سيادي مصري يثير جدلا بين الخبراء الاقتصاديين

فيما أكد فريق منهم أن الأولوية هي للتركيز على جذب رؤوس الأموال وليس تصديرها

مقر البنك المركزي المصري في القاهرة («الشرق الاوسط»)
TT

طالب عدد من الخبراء بتأسيس صندوق سيادي مصري، دون انتظار سداد المديونية الخارجية للبلاد، إلا أنهم أوضحوا أن المشكلة الأساسية التي تحول دون إنشاء الصندوق هي عدم وجود فائض مالي كبير كما هو الحال في دول الخليج العربي والسعودية وهي الدول التي تخطط حاليا لإنشاء صناديق أو كيانات شبيهة بالصناديق السيادية. واختلف الخبراء المصريون حول إطلاق الصندوق في المرحلة الحالية، فرأى البعض أن تركز مصر على جذب ـ لا تصدير ـ الاستثمارات الأجنبية في الوقت الراهن، على أن يأتي الصندوق السيادي في مرحلة تالية، ومنهم من رأى أن من الممكن بصفة عامة للدول النامية كمصر عمل صناديق سيادية ولكن بقيم ليست ضخمة أو عبر اكتتابات عامة.

وتوقع الخبراء أن تضع المؤسسات الدولية خطوطا إرشادية وضوابط تشريعية لتحسين نظم الرقابة على حركة الكتل المالية الكبيرة إذا ما استمرت الصناديق القائمة حاليا في ضخ مليارات الدولارات خاصة من الشرق الأوسط واسيا في مؤسسات مالية ذات ثقل وفي البنية التحتية بالدول الغربية، واستغلال ظروف الاقتصاد الأميركي التي تغري الصناديق بالتوجه لشراء الأصول الرخيصة الآن هناك ويضيفون انه لو حدث ذلك فستتباطأ كل خطط إقامة صناديق سيادية في المنطقة، والمعروف أن المخاوف من الصناديق تأتي من جوانب أخرى كافتقاد الشفافية واحتمال استخدام الصناديق ـ المملوكة لحكومات ـ في أغراض سياسية حسبما أشارت دراسة أخيرة لبيت الخبرة العالمي «ماكنزى». «تقوم الصناديق أو لا تقوم، تستثمر في هذا الغرض أو ذاك أم لا يسمح لها، تعمل بنفس القواعد القائمة أم تحتاج الى أدوات رقابية جديدة وتعديلات؟».. هذه بعض الأسئلة التي شغلت منتدى دافوس الأخير تشغل آخرين خارج المنتدى المخملي كما يقول الدكتور محمود محيي الدين وزير الاستثمار المصري الذي يؤكد انه اهتم بالصناديق السيادية منذ سنوات طويلة كأستاذ نقود وبنوك وانه طلب مؤخرا من مسؤولي الاونكتاد انجاز دراسة عن الصناديق السيادية في العالم ليستفيد منها الجميع.

وأضاف محيى الدين «إن دعوات انطلقت في مصر على فترات مختلفة لاستثمار جزء من احتياطيات البنك المركزي المصري (تتجاوز الآن 33 مليار دولار) عبر صندوق سيادي أشهرها تلك التي أطلقها الراحل الدكتور رمزي زكي مستشار معهدي التخطيط المصري والكويتي لسنوات طويلة، لكن في تقديري المسألة تحتاج الى خيال جديد». واضاف «إننا دولة عليها مديونية خارجية لا زالت تمثل رقما رغم أنها آمنة وانخفضت كثيرا كما أننا أحوج الى جذب استثمارات للداخل من الصناديق العالمية ومن غيرها.

وأضاف محيي الدين ان الاحتياطي المصري يغطى 8.5 شهر من الواردات وهذا أمر معقول لكنه يغطي نحو خمس سنوات في بلد كالجزائر ولذا نصحت الأخوة هناك بالتفكير في إقامة صندوق سيادي لتوظيف جزء من الفائض من خلاله وسيأتي وفد منهم لزيارة البنك المركزى المصري قريبا، أما في مصر فالأمر يحتاج الى تدبر لتحسين عوائد الاحتياطي من ناحية وضمان حمايتها من المخاطر من ناحية أخرى، وهذا ما أحاول أن اجتهد فيه بورقة يجري إعدادها، لكن لا يمكن أن أفصح عن مضمونها الآن». واختتم محيي الدين القول بان مصر تتابع جهود السعي لإصلاح النظم المالية في العالم خاصة بعد العورات التي كشفتها أزمة الائتمان العقاري الاميركي ونحاول أن نتجاوب معها لنؤثر فيها ونفيد منها لكن ذلك لن يوقف حركة الاستثمار وتدفقات رؤوس الأموال ومحاولاتنا لتعظيم نصيبنا من الاستثمار الاجنبي المباشر. ويقول المستشار المالي حسن الشافعي عبد الحميد «علينا ألا نندهش مما يثار حول إنشاء صناديق أو تشديد الرقابة عليها فالفورة النفطية على أشدها مما لفت الانتباه إلى تلك الصناديق الحكومية ودورها في أزمة الرهن العقاري كطوق النجاة للاقتصاد العالمي وأيضا كمارد يجب أن تكون حركته تحت أضواء كاشفة». وأضاف الشافعي «على الرغم من أن هذه الصناديق ذات قدرة مالية ضخمة في العادة إلا أنه من الممكن أن تقوم مصر بعمل صندوق سيادي صغير حتى في وجود الحجم الحالي من مديونيتها الخارجية والبالغة نحو27 مليار دولار، وتستثمر به في دول مثل كازاخستان والسودان على سبيل المثال». وأوضح أنه في حالة انشاء صندوق سيادي لمصر، فإن أهم القطاعات التي يمكن أن يوظف فيها هي البترول والغاز والأسواق المالية والتأمين، موضحاً أن هذه القطاعات واعدة في السوق العالمي، أما عن الاستثمار في السوق المصري فيقول عبد الحميد «إن من الممكن لصندوق سيادي أن يستثمر بالفعل في بعض الأحيان بالداخل لشراء أصول ترى الدولة أنها لا يمكن أن تستمر في إدارتها وفي نفس الوقت لا تريد بيعها للأجانب غير أن المعتاد أن تعمل الصناديق السيادية خارج الحدود».

من جهته أوضح مستشار رئيس هيئة الاستثمار والمناطق الحرة الدكتور سمير رضوان أن الفكرة طرحت في ملتقى القاهرة الأخير للاستثمار، لكونها تعطي فرصة للعب بقوة وبثقل في الأسواق الدولية، موضحا أن على مصر بالفعل أن تضع نصب أعينها التطورات التي تحدث على ساحة الاقتصاد العالمي وهي لديها خبرة جيدة خاصة وان طرحت اذونات خزانة للمستثمرين الأجانب وسندات دولارية تم الاكتتاب فيها بالأسواق العالمية.

وأضاف رضوان «من الممكن أن تستثمر مصر حصيلة بيع أصول المال العام من خلال صندوق سيادي للاستثمار، إلا أن لدينا أجندة اجتماعية تتطلب إنفاق هذه الأموال في مشروعات خدمية عامة واستدرك رضوان «الأولى للاقتصاد المصري في الوقت الحالي هو العمل على جذب مزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر والوطني. وعن استقطاب أموال الصناديق العالمية والتخوف منها في نفس الوقت، قال رضوان انه لا يعطي لهذه التخوفات وزنا كبيرا، إلا أن ذلك لا يمنع من قدر معين من الاحتراز.

واختلفت مع رضوان الخبيرة المالية والمصرفية نيفين الطاهر فذكرت ان «تسييس الصناديق أمر ملموس دوليا وان لم نشعر به في مصر بعد، موضحة أن من الممكن استخدامها في التأثير على القطاعات المرتبطة بالدفاع أو الشؤون السيادية للدولة المستقبلة لرأس المال، غير أن هذه المخاوف لا تبرز الا إذا كان الغرض من الصندوق غير معلوم أو محدد الأهداف، موضحة انه يلزم في الاستثمار.. طويلا أم قصير الأجل، مباشرا أم غير مباشر أن تكون جميع التفاصيل معروفة ومعلنة طبقا لقواعد الإفصاح والشفافية ولا مكان للسرية، سواء كان الاستثمار في قطاع خاص أو حكومي. وأوضحت الطاهري أن الاجدى لمصر عمل صندوق يتم عبر اكتتاب عام للشعب، ومنه يتم تمويل ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة وقطاعات البنية التحتية بمصر.

واتفق مع الطاهري وكيل أول الوزارة سابقا بهيئة الاستثمار عبد الجليل العراقي حول المخاوف من الصناديق السيادية بشكل عام، نظرا لأنها تعكس توجهات حكومية في البيع والشراء أحيانا وليس مجرد قرارات لمدير الصندوق أو المسؤولين عنه، وأضاف أن الأفضل لمصر استقطاب استثمارات من صناديق دول عربية نظرا للروابط التي تتجاوز الاقتصاد والاستثمار والربح، واتفق العراقي والطاهرى على أن الوقت غير مناسب لعمل صندوق سيادي مصري للاستثمار في الخارج، حيث أن كثيرا من القطاعات الداخلية تحتاج التمويل والاستثمار من القطاعين الحكومي والخاص معا كما ان التحول الى دولة مصدرة لرأس المال لم يأت أوانه بعد ويجب ترك المهمة الان للقطاع الخاص الذي بدأ يتوجه بالفعل للاستثمار في دول عربية كالجزائر والسودان وسورية كما انشأ عدة صناديق استثمار مباشر مسجلة بالخارج بمساهمات بين مصريين وأجانب.