«الأوردو» و«البنجاب» في مهرجان الجنادرية

سعوديون يخشون أن تصبح العمالة الوافدة جزءا من التراث

TT

المكان الوحيد في السعودية الذي لا يخطر في ذهنك أنك ستجد فيه عاملا وافدا هو القرية التراثية في الجنادرية، لا مكان هناك سوى لرائحة القهوة والتاريخ وتمر الحكايات التي تنسل واحدة تلو الأخرى من تلك الحناجر التي أتعبتها السنون والتجاعيد.

غير أن هذه الصورة الغارقة في السريالية كما صورها أحمد الحازمي، وهو معلم سعودي جاء وأطفاله لزيارة المهرجان، لا تنطبق على واقع الحال الذي كان يفاجئك بباعة المنسوجات أو الاطعمة الشعبية في أجنحة المناطق. ويضيف الحازمي وهو يشرح لأطفاله بعض المصنوعات الجلدية التي كانت تثير الأسئلة على ألسنة صغاره: لا أعرف هل أصبح حضور الوافد ضروريا في حياتنا لدرجة أن نشاهده حتى في أروقة الجنادرية. بصدق: أخاف أن تصبح الأوردو الهندية في يوم ما جزءا من التراث.

في المقابل دافع صاحب المحل في أحد بيوت المعجنات الشعبية عن وجود عامل يساعده بالقول: لا أحد من أولادي وافق على الحضور معي للمهرجان. الأمر ليس كما ترونه.. ببساطة أنا أبيع وهو يراقب، لا مشكلة في الأمر.

السعوديون الذين كان بعضهم يتندر على بعض العمالة الموجودة في المهرجان وهم ينطقون أسماء بعض الأكلات بعربية مكسرة لم يجدوا في الأمر ما يغريهم بالحديث عن الأمر بنفس الحماس الذي كان المعلم الحازمي يتحدث عنه، وهو ما يعني برأي أحمد فقيهي القادم من مسقط رأسه جازان للمشاركة في المهرجان، أن المجتمع السعودي أصبح يتعامل مع كثير من الظواهر السلبية بمجانية متعمدة، باعتباره ليس مسؤولا عن تغيير كل شيء.

الفكرة التي يرفضها فقيهي بشدة معارضا رأي الأغلبية، يقول عنها إن وجود العمالة الوافدة في المهرجان كمشاركين ربما ينعكس في السنوات القادمة على مستوى التمثيل الوطني. مشددا على أن رسالة المهرجان تتنافى مع أي قيمة مستوردة أيا كانت.

وفي الوقت الذي كان فيه العامل البنغلاديشي يتهرب حتى من مجرد الحديث معه بعد أن فهم إشارة كفيله السعودي، مفضلا الانسحاب لداخل المحل، كان عامل آخر يقوم على نظافة أحد الاجزاء المخصصة له باهتمام ملحوظ، وكان مجموعة من الشباب يقذفون بعلب العصير ولفافات الساندويتش دون أي اكتراث بأهمية إبقاء المكان نظيفا، وهو ما كان يعكس بوضوح رسالة أخرى على سبب وجود العمالة الوافدة بجوار واجهة التراث والتاريخ.

أحد أولئك الشباب رفض اعتبار سلوكه برمي المخلفات أمرا يستحق الاهتمام، مشيرا لوجود عمال مهمتهم الوحيدة (التنظيف) خلفه وسط قهقهات رفاقه الذين أعجبهم تعليقه، فيما كان رجل كبير في السن يتابع المشهد بعين وينقش بالعين الأخرى أواني من الخزف، ولسان حاله يقول: ربما أترك مكاني في العام القادم لعامل وافد يؤدي عمله بإتقان وصمت، طالما لا نملك سوى ثقافة السخرية من الآخرين.