عبادي الجوهر: كنت أطمح أن أكون «عسكريا».. وطلال مداح غير مسار حياتي

في عام 1971 لحن أول عمل للشاعر الأمير بدر بن عبد المحسن

الفنان السعودي عبادي الجوهر
TT

أراد الإعلامي سعود الدوسري أن يتعمق في حياة الفنان السعودي عبادي الجوهر، ولم يتردد في إعادة الجوهر إلى فتح عدة ملفات، أهمها أولى خطوات دخوله عالم الغناء. فكان عبادي الجوهر منسجما في حديثه ودافئا في مشاعره. كان يتحدث بكل راحة وصراحة، في لقاء أجري ضمن برامج رمضان الحوارية على شاشة قناة «روتانا» خليجية.

عبادي انطلق في عالم الغناء على يد الكبير طلال مداح، وحصل على أوسمة كثيرة، أبرزها الوسام الأعلى في سلطنة عمان تقلده من السلطان قابوس. كما لقبه طلال مداح بأخطبوط العود وموسيقار الجزيرة العربية، يهوى القراءة والاطلاع على كتب التاريخ والشعر العربي القديم، وعاشق للعود الذي يعتبره صديقه الوحيد والأقرب إلى قلبه.

بداية اختار الفنان عبادي الجوهر اليوم الحدث في حياته، يوم لقائه الفنان طلال مداح، وعن تفاصيله قال: «هذا اليوم كان نقطة تحول في حياتي، أنا كنت متوجها إلى مجال آخر وكنت أريد أن أصبح عسكريا، ولكن هذا اللقاء أدخلني الوسط الفني، وكان بترتيب من الفنان لطفي زين الذي أصر على لقاء طلال مداح في شركة أسطوانات (رياض فون)، وكان عمري وقتها 14 سنة، وبمجرد سماعه صوتي وعزفي قرر أن يوقع معي عقدا في اليوم نفسه، وأعطاني لحنا هو الذي ظهرت فيه للناس وكانت الأغنية بعنوان (يا غزال)».

وتذكر يوم وفاة طلال مداح بسقوطه على المسرح: «كنا معا في حفلة المفتاحة في أبها، وأنا غنيت قبله واتفقنا أن نتعشى معا، تكلمنا في الكواليس واتفقنا على أن أذهب إلى الفندق وأطلب العشاء وأنتظره إلى أن يأتي، وعند دخولي الفندق رأيت المشهد أمامي فسارعت إلى المستشفى، وكان طبيعيا ولم يكن هناك مؤشرات، وعندما وصلت إلى المستشفى كانوا يجرون محاولات إنعاش ولكنها باءت بالفشل ورحل».

عن عدم تقديمه لأي من ألحان أوبريتات الجنادرية قال: «لست وحدي من لم تتَح له فرصة التلحين للجنادرية، وليس لدي جواب عن هذا السؤال، لأن الرد عليه مخصص للجنة الجنادرية لماذا أعطوا فلانا وفلانا، واللحظة التي أكلف فيها أنا جاهز وإذا لم يحصل لا أسأل، وقد لا أضع شروطا إلا فنية، لا شخصية».

من أيامه المميزة يوم سجل أول أغنية وأصدر أول ألبوم بعمر صغير، وعنه قال: «لم أتخيل أن يلحن لي، بل كنت ذاهبا ليسمع صوتي فقط ويعطيني رأيه، ولم أتخيل أن تصير بيني وبينه هذه العلاقة الوطيدة التي امتدت لأكثر من ثلاثين عاما، وأول سؤال سألني: متى تعلمت كل هذا؟ أنا تعلمت العود بعمر 11 سنة، فقال إنه مقتنع بي ووقع معي العقد وأعطاني اللحن وجهز لي لحنا ثانيا لأغنية (يا حلاوة)، وقبل السفر جهزوا لي مجموعة أعمال من ألحان الأستاذ جميل محمود وعمر كدارس - رحمة الله عليه - بالإضافة إلى اللحنين، وجئنا بيروت وقلت له إنني لن أغني إذا لم تكن موجودا، وفعلا حضر التسجيل».

وعن رد فعل أهله لدخوله الفن شرح: «أنا كنت مهووسا بالموسيقى والعود والغناء وأحفظ وأسمع، وقلت إن هذا لن يتعارض مع المدرسة، وجدت في البداية تحفظا من خالي وليس من أخي أو والدي».

وعن أول أسطوانة سجلها في بيروت، وعن قيمته العمل الحقيقية، قال: «قيمة العمل بكل تفاصيله، فأنا أغني للمرة الأولى مع فرقة موسيقية واللحن لطلال مداح والكلام للطفي زيني، ونزول العمل كأسطوانة جعلني أشعر بسعادة».

وعن حضوره إلى بيروت قال: «جئت إلى بيروت في عام 1969 ولم أكن أعرف فيروز أو غيرها، وعندما جئت إلى بيروت بهرت بها لأنها أول بلد أزوره لأني لم أكن أخرج من حارتي أساسا. أتذكر أنني سكنت في الرملة البيضاء، وأتذكر أنني عندما أردت أن أسجل أغنية (يا حلاوة) ولم يكن قد وضع لها طلال المقدمة حاولت أن أضع أنا المقدمة، وقبل التسجيل وصل وفرحت لأنه إذا لم تعجبه المقدمة سيضع هو غيرها، وعندما سمعها أعجب وتركها كما هي».

يوم مشاركته في مسرح التلفزيون، تحدث عن ظروفه: «كان كل هاجسي أن يسمع الناس الأعمال التي سجلتها وكيف سيكون رد فعلهم على فنان جديد، فهل سأستمر أم أرجع إلى ما كنت عليه؟ وتصادف أسطوانة وأغنية (يا غزال) ووقوفي على مسرح التلفزيون، وكنت الوحيد الذي قبلت لأغنية في التلفزيون، وكانت أول مرة أغنية أمام جمهور، وكانت المواجهة مع الناس والكاميرات وكنت خجولا وربما كانت من أسباب النجاح، والأغنية من الفولكلور الشعبي وتحولت إلى أغنية أكثر عصرية، بالإضافة إلى أن ولدا صغيرا يغني كانت من عوامل نجاحها».

وعن أول أجر تلقاه قال: «أخذت بدلا ماديا مقابل غنائي، وأول شيء فعلته أنني اشتريت سيارة وأنا لا أعرف القيادة، ولم يكن المبلغ كبيرا، بل إن السيارات كانت زهيدة السعر».

ويوم قدم أول لحن لنفسه يذكره بفرح: «بعد سنتين كان لي أول لحن وأسمعته لطلال مداح لأن رأيه يهمني، فإما أستمر وإما أتوقف عن التلحين، ففتح لي مجالا آخر بأن أعتمد على نفسي كملحن وأن أقدم أعمالا كثيرة جدا لأكثر من 300 عمل، ولحنت لغيري. في البداية لحنت بالفطرة والإحساس، وكان هذا في عام 1971، وسافرت إلى القاهرة لتسجيل الأغنية التي كانت بعنوان (كأنك حبيبي) من كلمات الأمير بدر بن عبد المحسن». عن تقديم نفسه كأفضل عازف عود دافع قائلا: «لا أقدم نفسي بهذا الشكل لأنه لا يوجد أحسن أو أفضل بالمطلق، وأحيانا أقابل الناس ويقولون لي بمحبة أنت أحسن عازف، وهذا خطأ، ففي العالم العربي هناك الكثير من العازفين ولكن ليست لديهم المساحة لعرض أعمالهم على الناس».

يوم فقد زوجته كان له تأثير، وعنه قال: «كانت والدتي بالنسبة إلي كل شيء، وكنت قريبا منها جدا، وفي عام 1974 توفيت والدتي وأثر علي هذا الأمر، وكانت هي أمي وأختي ومستشارتي، وعندما فقدتها شعرت أنني فقدت كل شيء. إلى حد ما كان هناك تشابه بسيط بين وفاة والدتي ووفاة زوجتي أم سارة التي مرضت لمدة سنة، أخذتها إلى أكثر من مكان، وكان آخرها في لندن حيث مكثنا أربعة أشهر وعدنا إلى السعودية وتوفيت في رمضان، وكنت أرى جدران البيت بعد وفاتها سوداء».

يوم مؤثر يوم وفاة شقيقه عبد الرحمن بعد زوجته بشهرين، وعن هذا الشعور قال: «كان عبد الرحمن شقيقي الوحيد ورفيق دربي من بداية حياتي الفنية، وكان أول من أهداني العود، وعلاقتي به مختلفة. كنت أستشيره في كل شيء، خصوصا الأمور الفنية، ويوم سماعي للخبر لم أكن قد خرجت من دوامة الحزن لأنه توفي في فترة الحج، وكان وقع الخبر ثقيلا، وأنا رجل مؤمن والحمد لله وأعرف أن هذا حق، وفي هذه الفترة فكرت باعتزال الغناء وليس الناس، وبقيت ثلاثة سنوات لم أستطع الغناء، ففكرت أن أعتزل».

بين لحظات الحزن هناك فرح وجده عبادي كان مع ابنتيه سارة ومي، وعنهما قال: «كل أب يفرح أن تتعلم ابنته، كان عندي إحساس مختلف، عندما توفت والدتهما كانتا في المرحلة الثانوية، وعند دخولهما الجامعة كنت أقوم بدوري الأم والأب، وكان من المهم أن أشعر أنني نجحت بهذه المهمة، وفرحت عندما نالتا البكالوريوس، وليس لدي مانع بأن تعملا في مجالات تخصصهما مهما كان».

وكان يوم تزوجت ابنته مي قال: «كل أب يبحث عن سترة بناته إذا وجد الشخص المناسب، ولا يخيفني فكرة الجد ولا تزعجني».

وعن دوره كفنان في الإصلاح الاجتماعي قال: «رأيت شابا صغيرا في الطائرة يرتدي بنطلونا بشكل غير لطيف وليس له علاقة لا بتقاليدنا ولا ببلدنا، وعندما كان يحمل حقيبته كان منظره غير جميل فأساء لعيني، فما بالك بالآخرين، فنصحته وكلمته بهدوء وتقبل نصيحتي».

يوم لقائه الملوك وعن هذه الأيام قال: «تشرفت بالسلام على أكثر من شخصية كبيرة في بداية عهد الملك فهد رحمه الله، والملك عبد الله بن عبد العزيز، والكثير من الزعامات العربية، منها ملك الأردن عبد الله الثاني. أرى العلاقة بين السلطة والفنان جيدة بدليل أن لدينا وزارة إعلام تهتم بالموسيقى والغناء، ودائما الفنانون يطلبون أكثر، ودائما غناؤنا أمام القيادات في المناسبات الوطنية، وإذا التقيت بالملك عبد الله لن أتكلم كفنان، بل كابن هذا البلد، ولا أناقش بالسياسة لأنني فاشل فيها، قد أطلب أمورا تخص الفنانين مثل معاهد موسيقى».

وعن دور الفن في الصالح العام قال: «الأغنية لها دور فعلا في الصالح العام، فالأغنية الرياضية لها دور في شد الهمة، والأغنية الوطنية لها دور بدل الرصاص، فليس بالضرورة أن ينزل الفنان إلى الشارع يمكن أن يقدم أغنية فيها فكر».

وفي اليوم الأخير يوم حصوله على وسام من السلطان قابوس: «أعتبر وسام السلطان قابوس مهما لأنني نلته في مهرجان للعود وليس للغناء، وشاركت فيه كموسيقي وليس كمطرب، شاركت في الكثير في المحافل الغنائية ونلت الكثير من التذكارات، ولكن مهرجان السلطنة كان مخصصا للعود والوسام كان شيئا مميزا».