جلسات مع نور الشريف

محمد رُضــا

TT

خلال مهرجان دبي السينمائي الأخير اعتدنا، الإنسان الرائع نور الشريف وأنا، تناول الفطور معا كل صباح. وفي كل صباح كان ينتهز الفرصة للحديث عن الفن والثقافة على نحو يريد معه التنقيب عن عيوب الماضي ومخاطر المستقبل.

مما قاله، على سبيل المثال، أن الفن عموما دخل في مستقبل غامض قد يعني اندثاره من حياتنا في الغد القريب: «كل ذلك التقدم التكنولوجي ليس مجانا. لا يمكن لأي فعل ما إلا أن يحدث رد فعل من حجمه، وعادة ما يكون رد فعل سلبيا أو سيئا».

نور الشريف يرى أن التكنولوجيا أدخلت إلى حياتنا الحاضرة سمات غريبة لا تتوافق وقواعد الفنون عامّة، وتؤدي إلى إبادة العلاقة الباقية بين البشر وبين أي من الفنون الممارسة سواء أكانت فنونا موسيقية أو رسومية أو مسرحية أو سينمائية:

«شوف يا محمد.. التكنولوجيا تضرب العلاقة الأساسية بين المشاهدين وبين هذه الفنون. تلهي الشعوب عن متابعة مسيراتها في شتى الحقول الأساسية للحضارة. انظر حولك لتجد أنه في مواجهة هذه التكنولوجيا هناك انحسار ثقافي شامل في عالمنا كما في العديد من الدول الأخرى. في اعتقادي أن هذا ليس صدفة».

طبعا الدخول إلى هذه المنطقة يصبح من باب الافتراضات. أقصد أنه إذا لم يكن صدفة فهو مدبر، وإذا كان مدبرا فإننا نتحدث عن نظريات مؤامرة. محكمة التاريخ لا تعترف بالنظريات والقوانين المعمول بها حول العالم.. ترفضها. لكن الممثل الذي أمضى على المسرح وأمام الكاميرات جل حياته لا يهاب ذلك:

«طبعا هي مؤامرة.. الإسلام يحارب من داخله، والثقافة والفنون باتت تعيش كمجرد أعمال ترفيهية، والجمهور لم يعد يكترث لدخول الصالات إلا إذا كانت المسرحيات والأفلام من لون معين يجلب الكوميديا الفارغة التي هي في الواقع مسخرة».

في يوم آخر أكمل ما بدأه في هذا النطاق، وحكى قصة ذلك المخرج الشاب الذي جاء إليه يطلب نصيحته بشأن نقل «روميو وجولييت» إلى مسرحية مصرية معاصرة من تلك التي تقدمها مسارح القطاع العام في مصر:

«جلست والمخرج طويلا ونصحته بما عليه القيام به. قلت له إن من أهم مزايا مسرحيات شكسبير الإطار الاجتماعي الذي يحيط مسرحياته به، لأنه بذلك يمنح الشخصيات أحجامها الواقعية على الرغم من تراجيديات الحكاية التي عادة ما تحسب في خانة المغالاة الدرامية».

بعد أسابيع، عندما دعاه المخرج لحضور العرض الأول، حدث ما أذهل نور الشريف: «وجدت المخرج قد أطاح بكل نصائحي وأضاف فوق أخطائه الناتجة عن ذلك أخطاء أخرى في التنفيذ، كاشفا عن جهله بالأدب والتاريخ والعمل الفني بأسره».

كل ذلك، يرى الأستاذ نور، ناتج عن غياب ثقافة الفن وتاريخه وتسلّط مبادئ جديدة على الأعمال الفنية. وهو في ذلك محق تماما.

في الواقع، هناك اتجاه حالي اليوم للتحذير من اندثار الفن تبعا للجهل بأصوله. خمسة كتب صدرت في نيويورك هذا الشهر تتحدّث عن مخاطر التكنولوجيا التي تستنزف الموارد الروحية وتؤثر على كيف نرى الأمور ونعالجها. نضيف أن الفن هو ضحية سهلة إذا ما توارى أو إذا ما دخل نفق الجهل به.