فائق عبد الجليل الشاعر الفنان

TT

ذلك الاسم (المستعار) الذي أصبح أحد رموز الشعر في الخليج والعالم العربي، حيث لم يكن أحد أبناء عبد الجليل! ولم يكن في الأساس شاعرا! بل إن اسمه فائق محمد العياضي، وبدأ رساما تدرج بإحساسه إلى أن بدل ريشته بقلم سطر أروع ما يقال وأعذب ما قيل، الأسير سابقا والشهيد حاليا فائق عبد الجليل أضاف اسم (خاله) عبد الجليل كنوع من رد الثناء، حيث تبناه بعد انفصال والديه وأعجب بموهبته في الشعر الفصيح والعامي وقدم له الكثير من الدعم، وكان أهمها الدعم النفسي والمعنوي إلى أن صدر له أول ديوان شعر في سنة 1976، وهنا كانت نقطة التحول في مسيرته الأدبية عندما قامت صحيفة «لوموند الفرنسية» بترجمة قصائده ونشرها، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن البروفسور «سيمون جارجي» وأستاذا في كلية الآداب في جامعة جنيف قاما بالكتابة عن قصائد الشاعر فائق عبد الجليل الذي بدأ في أولى خطوات التغيير في طريقة كتابة الشعر وفي المفردات التي يستخدمها وكيف أصبح يجدد ويتجدد مع كل قصيدة من قصائده. كان لهذا الموقف الأثر الإيجابي الكبير على الشاعر الأسير الشهيد الشهير فائق عبد الجليل، مضت عشر سنوات دون أن يشعر بها ودشن ديوانه الثاني «سالفة صمتي» وكأنه يقول: ما أشبه البارحة باليوم! حيث حصد الكثير من الإعجاب، خصوصا بعد أن نضجت تجربته وأصبح أحد أشهر الشعراء في ذلك الوقت.

لم يحصر تجربته على الدواوين الأدبية فقط، بل كتب مسرحيات، وكتب أحد أهم الأعمال التلفزيونية الكويتية «بساط الفقر» للممثل حسين عبد الرضا، والفنانة سعاد عبد الله. استمر في تأسيس مكانة تليق بأدبه وشعره، وصال وجال في مختلف المجالات الفنية وحافظ على خط سيره في الشعر حتى أصبح مدرسة هامة في سماء الأغنية، وقام كثير من الشعراء بتقليده إلى أن بصمته في وضع المفردة ورسم الفكرة كانت أكبر من أن تقلد. في الثمانينات الميلادية ذاع صيته كثيرا، وكان منزله عبارة عن «ضيافة» للكثير من المنتمين للوسط الفني والساحة الأدبية، وكانت كلماته تجول العالم العربي من خلال صوت الراحل طلال مداح، والفنان محمد عبده الذي كان له نصيب الأسد حينما اختار أشهر قصائده مثل: «أبعاد»، «وهم»، «آخر زيارة»، «في الجو غيم»، و«المعازيم»، وكذلك الفنان أبو بكر سالم الذي غنى «عطيني الحل»، و«أنتي وين»، «لا تنادي»، «غزاني الشيب»، واستمر التعاون الفني مع الكثير من المطربين مثل عبادي الجوهر وعلي عبد الكريم، وخالد الشيخ، وغيرهم الكثير.

في بداية التسعينات الميلادية وإبان الغزو العراقي لدولة الكويت، وقع المناضل والمقاوم فائق عبد الجليل في الأسر، وأصبح غنيمة في ذلك الوقت للغزاة لأنه كان يكتب القصائد الحماسية لأبطال المقاومة للدفاع عن الكويت، بعد أن رفض الخروج من الكويت.

عاش 13 سنة في دهاليز الأسر، وكان هاجسه الوحيد وطنه وأسرته، وخصوصا أن التعب قد أنهكه كثيرا وأخذ منه المرض ما أخذ، وفي عام 2006م وجد رفاته في مقبرة جماعية بعد أن أصيب برصاصة غادرة في رأسه، ودفن في وطنه الكويت التي قدم لها روحه في سبيل الدفاع عن وطنه.

كان كل ذلك وأكثر مجرد لمحات مصغرة ومختصرة عن حياة مبدع كتب الشعر وجدد فيه كثيرا ومن ثم ترجمت قصائده إلى أن ناضل وقاوم وأسر واستشهد، ودفن في بلده الكويت بعد رحلة طويلة جدا مع الأسر امتدت إلى 13 سنة.

هنا جاء دور الأوفياء الذين يبادلونه الوفاء حينما صدر كتاب عن مكتبة آفاق من تأليف الكاتب حمد الحمد بعنوان «فائق عبد الجليل.. رحلة الإبداع والأسر والشهادة» وشارك في معرض الكتاب الذي أقيم أخيرا في الرياض.

ويشير الكتاب إلى دور الشاعر فائق عبد الجليل البطولي أثناء الغزو العراقي، وقيامه مع زميله الملحن عبد الله الراشد، رحمهما الله، بكتابة وتلحين الكثير من الأغاني التي كانت تحث على الصمود وتحدي المعتدي، الأمر الذي جعل الغزاة يبحثون عنه طويلا.

الكتاب يحتوي على سبعة فصول هي: رحلة إبداع، رحلة حرف وموسيقى، يوميات الشاعر وأسرته أثناء الغزو يرويها فارس وغادة ابنا الشاعر، حكاية قصائد هتاف الصامدين، شهادات من عمق المحنة لرفاق الشاعر أثناء الغزو قبل أسره، الشعر والقول في حضرة الحاضر الغائب، وثائق وصور تتكلم، ويحتوي على الكثير من الوثائق والصور التي تنشر لأول مرة، منها قصيدة مهداة من الأمير بدر بن عبد المحسن، وكلمة كتبتها الدكتورة سعاد الصباح، وأخرى كتبها الفنان أبو بكر سالم الذي تربطه صداقة حميمة مع الراحل. الكتاب يعد أول ما جمع ووثق وصدر عن حياة الشاعر الشهيد فائق عبد الجليل.