المثقفون الأميركيون.. ما هو كائن وما يجب أن يكون

TT

أستاذية تركي الحمد، وثقافته الواسعة، وتحكمه في صناعة الكلمة، هي التي تدفع بقراء «الشرق الأوسط» الغراء الى متابعة كل ما يكتب، وفي مقاله المنشور يوم 19/5/2002 تحت عنوان «يداوي الناس وهو عليل»، ينتقد الحمد بلطف مرهف بيان المثقفين السعوديين، مبيناً ثغراته من حيث عدم شموليته شرائح المثقفين جميعها، وغيرها من الهنات، غير انه عند الحديث عن مثقفي «الآخر الخارجي أو الاجنبي في نهاية المطاف» يسهب في تعداد مناقبهم: «فالمثقفون الاميركيون الذين يسعى البيان للحوار معهم يعلمون تمام العلم ان الحوار مفقود في ديارنا.. الخ». ربما يعلم الحمد ـ واظنه كذلك ـ هزالة موقف المثقفين الاميركيين حيال ـ ليس فقط قضايا العالم الخارجي ـ بل تجاه قضاياهم الداخلية ايضا، فشكل الحكومة الاميركية المطلية من الخارج بزخارف ديمقراطية مزيفة، ومظاهر حرية شكلية براقة، انما هي خديعة كبرى تمارسها النخبة الحاكمة هناك لتضليل الجماهير الأميركية المستغلة، مثلها مثل باقي جماهير الأرض، من قبل الشركات الأميركية العملاقة، وممثليها المسيطرين بملياراتهم على البنوك وبالتالي على مجلسي النواب والشيوخ الأميركيين، وان سألت عن وسائل الاعلام ـ الذراع الثانية بعد البنوك ـ فستجد مافيات الفكر تسيطر عليها سيطرة مطلقة. اما الحديث عن انتهاك اساسيات حرية الفرد الأميركي، فحدث ولا حرج، ومن الخطأ تصور ان انتهاكات مكتب التحقيقات الفيدرالي لخصوصيات المنازل والممتلكات الخاصة قد بدأت بعد احداث سبتمبر (ايلول) 2001، بل انها سبقتها بكثير، كل ذلك لا يتصدى له المثقفون الأميركيون بجرأة وصراحة، ثم أين هي مواقفهم المؤيدة لحقوق الانسان؟ بل اين هي مواقفهم المعارضة لقتل الانسان في كافة انحاء المعمورة بالسلاح الأميركي، عماد الصادرات الاميركية، من اليابان الى كوريا وكمبوديا وفيتنام واميركا اللاتينية ويوغوسلافيا، وسنكون منحازين لو اضفنا العراق وفلسطين وافغانستان؟ نعم، قامت هناك حركة فكرية معارضة لحرب فيتنام في حينها، غير ان اساسها لم يكن دفاعا عن حياة الفيتناميين بقدر ما كان حماية لحياة الجنود الأميركيين بعد ازدياد الخسائر في صفوفهم. الصورة الاخاذة التي يتصورها تركي الحمد عن المثقفين الأميركان هي الصورة التي يجب ان يكونوا عليها، وليست التي هم عليها الآن.