المذكرات لن تكون سببا في انشقاق جديد في السلطة السودانية

ردا على ما كتبه محمد الحسن أحمد

TT

بتاريخ 2002/5/27، كتب محمد الحسن أحمد، عن تردي العلاقات السودانية ـ الأميركية، وأشار إلى أن الحكومة الأميركية «تعمدت التشهير بحكومة السودان إمعاناً في المهانة والابتزاز متطوعة بأن السودان استجاب لطلبها». والإشارة هنا إلى البيان الأميركي الرسمي عن توبيخ حكومة السودان وردعها كي تمتنع عن السماح للسودانيين بالتطوع مؤازرة لاخوانهم في فلسطين. وخلاصة الاستنتاج الذي توصل إليه الكاتب، أن العلاقات السودانية ـ الأميركية، ليست في تحسن مطرد، كما تدعي حكومة السودان.

وإذا قرأنا استنتاجه هذا مع مقال سابق له بتاريخ 2002/5/7، تحت عنوان «السودان والدوران في الفلك الأميركي»، وما ذكره فيه عما اسماه بالمشروع الأميركي لقسمة السلطة بين النظام الحاكم والحركة الشعبية لتحرير السودان، فإننا نجد تناقضاً واضحاً بين الاستنتاجين. فإن ظهرت بوادر رضا أميركي عن حكومة السودان، فإن ذلك في رأي الكاتب مؤامرة مشتركة بين أميركا والنظام لتكريس سلطته بعيداً عن تجمع المعارضة، ونتيجة مباشرة للرضوخ الكامل من جانب الحكومة للإملاءات الأميركية. والخلاصة أن الكاتب يقرأ ذلك التحسن في العلاقات قراءة سلبية، ويورد من الأسباب ما ينتقص منه، وما يجعله في ميزان سيئات الحكومة لا حسناتها. وفي الوقت نفسه، إذا بدرت مواقف أو تصريحات أميركية معادية لحكومة السودان، فإنها في نظر الكاتب دلالة على فشل الحكومة، وعدم صدقها في ما تدعيه من تحسن مزعوم لعلاقاتها مع أميركا.

قد يكون الكاتب صادقا في ما ذكره من سعي حكومي لإرضاء اميركا وذلك لأسباب لا تخفى على الجميع، فالسودان خارج لتوه من فترة شهدت أشد حالات العداء المتبادل، الأمر الذي تأذى منه النظام والبلد ككل. والوصول إلى مرحلة تناسي الماضي يستلزم مجهوداً غير عادي من جانب حكومة السودان على أن يتم ذلك بطريقة لا تمس كرامة السودان وسيادته.

ايضا في مقال الكاتب بتاريخ 2002/5/27 وردت العبارة التالية في معرض تعليقه على التسريبات الصحافية لما دار من مراسلات بين الدكتور غازي العتباني والدكتور حسن الترابي: «كان الترابي بارعاً كعادته عندما زاد على المقترحات الإجرائية في إعادة الحزب إلى وحدته بأن ربط الحرية السياسية بشرط أن تكون شاملة لكل القوى السياسية». ولا أود هنا أن أعلق على صفة البراعة التي جعلها الكاتب «عادة» للترابي، لكن هناك أسئلة تفرض نفسها منها: أين كانت براعة الترابي المزعومة هذه عندما قوّض النظام الديمقراطي في السودان؟ وأين هي الحريات التي أشاعها والسلطة التي اقتسمها مع الآخرين عندما كان عراب النظام؟، ألم يقم الترابي الدنيا ولم يقعدها لمجرد أن الرئيس قرر أن يكون رئيساً؟، ألم يهاجم الترابي المعارضة وحلفاءها الحاليين في الحركة الشعبية لتحرير السودان حتى أصبحت عند انصاره معادلاً موضوعياً للشر المطلق؟، ألم يتبرأ الترابي من كل سلبيات فترة سيطرته على مواقع اتخاذ القرار ويعلق كل الأخطاء على مشجب الآخرين، في الوقت الذي نسب كل الحسنات لنفسه؟.

خلاصة القول، إن التوجهات الديمقراطية التي وردت في ردود الدكتور الترابي من السهل أن تبدر ممن يعلم أنه ليس في يده شيء، وممن هم في صفوف المعارضة كعادة معظم السياسيين في دول العالم الثالث. وإن كان الدكتور الترابي قد قرر أن يعطي السودان لحركة جون قرنق نكاية في تلاميذه الذين انشق عنهم، فهذا عطاء من لا يملك لمن لا يستحق!.

وفي يقيني، أن قيادة الحزب الحاكم أذكى من أن تجعل المذكرات سبباً في انشقاق جديد داخل جسم السلطة كما توقع الكاتب، لأنها بذلك تكون قد حققت احد الاستثمارات السياسية الصغيرة التي هدف لها حزب المؤتمر الشعبي بتسريبه للمذكرات.