الموت المجاني ليس خيار العرب

TT

قرأت قبل ايام مقالا دعا كاتبه الى «تعميم الحالة الاستشهادية الفلسطينية على باقي الساحات العربية.. استعدادا لمقاومة العدوان الاميركي الوشيك (على العراق) الذي يتعين تحويله ـ على حد زعم الكاتب ـ من خلال العمليات الاستشهادية في سائر الاقطار العربية الى ورطة ثقيلة تدفع ثمنها واشنطن، دما غزيرا ومالا وفيرا ومصالح كثيرة».

هكذا، وبجرة قلم واحدة يدعو الكاتب الشعب العربي باسم العروبة والاسلام الى قتل نفسه على ادراج السفارات وفوق اسوار المصالح الاميركية ومن أجل من؟ من أجل عيون صدام حسين الذي داس بفظاظة كل المعايير والقيم الاصيلة التي تزين صدر العروبة وتوشح رأس الاسلام، فجلب الموت والخراب والدمار لمئات الآلاف من ابناء شعبه وشعوب الدول التي تجاوره.

ومن أجل الامانة انقل هنا فقرة اخرى من المقالة نفسها التي يقول فيها بالحرف الواحد: «فما دام العدو الاميركي مصرا على عدوانه، وما دام النظام العربي عاجزا او متعاجزا عن نصرة العراق البطل، فليس امام جماهير الشعب العربي من صنعاء الى الدار البيضاء سوى استنفار ذاتها، وتفعيل طاقاتها، وبالذات طاقات الاستشهاد، للتصدي للعدوان الاميركي، والوقوف بكل حزم وصلابة واصرار الى جانب شعب الرافدين الشقيق وقيادته الصامدة والمجاهدة».

وهنا لا يمكنني سوى التساؤل، هل فقد الشعب العربي من المحيط الى الخليج، هذا الشعب الذي يملك حضارة عريقة يدين الغرب لها في كل ما انجزه، شعب يملك ويعتمد الدين الاسلامي الحنيف السمح كقاعدة للتعامل والحياة، هل فقد اي طاقة او جهد، يستطيع من خلالهما التعبير عن نفسه او تجسيد تطلعاته، سوى القدرة على الموت والطاقة على الخراب؟ وهل اصبح الاستشهاد الوسيلة الوحيدة امام العرب للدفاع عن كرامتهم والذود عن حياضهم؟! اسمح لنفسي بالتساؤل اين كانت هذه الجواهر الفذة حين استباحت القوات العراقية حرم دولة عربية مسلمة جارة قبل اثني عشر عاما تماما؟ فهل جفت حينها الاقلام والافكار ام ان هذه ما هي الا مطية يرتادها الكاتب حين يشاء وينزل عنها حيث يشاء.

ان الدعوة التي يطلقها الكاتب لقتل النفس ـ مع علمي الأكيد بانها لن تجد لها آذانا صاغية لدى اي عربي ـ تلحق اكبر الضرر بالعرب والمسلمين جميعا وتصورهم على انهم قوم جهلة متخلفون لا يملكون سوى ان يموتوا لكي يعبروا عما يجول في خواطرهم او ليصيبوا عدوهم في مقتل.

يجب على العرب والمسلمين جميعا التنبه جيدا وفتح الاعين والعقول لما يدور من حولنا، وعدم الانجرار وراء مثل هذه الدعوات الرخيصة وغير المسؤولة، واستئصال شأفة هذه الظاهرة السلبية من المجتمع قبل ان تقوض اسس هذا المجتمع الذي قام ونما وتربى على السماحة والعدل.

والواجب يقتضي علينا جميعا نبذ كل هذه الظواهر ورميها في مزبلة التاريخ.