فريدمان والعمليات الاستشهادية

TT

في مقال لتوماس فريدمان تحت عنوان «النبي نوح واحداث سبتمبر» نشر في جريدة «الشرق الأوسط» 2002/9/12 مخاطبا فيه العالم الاسلامي وصفوته من العلماء يقول «اين انتم منذ 11 سبتمبر؟ اين صوت العقل؟ انتم تبدأون صلاتكم باسم الله الرحمن الرحيم، ولكن عندما يتصرف عدد من ابناء عقيدتكم باسم الاسلام كي يقتلوا الاميركيين او يرتكبوا عمليات انتحارية ضد الكفار تمتدحهم صحافتكم كشهداء، بينما يصمت قادتكم الروحيون». دعونا نعود الى الوراء قليلا فمنذ سقوط جدار برلين في اواخر عام 1989 وانهيار الاتحاد السوفيتي الذي تلا ذلك، والذي جعل الولايات المتحدة في موقع يؤهلها للسيطرة على العالم، ففي اوائل التسعينات كلف ديك تشيني الذي كان وزير الدفاع آنذاك مساعديه في البنتاغون بول ولفوتيز ولوس ليبي واريك ايدلمان باعداد استراتيجية طويلة المدى لمرحلة ما بعد الحرب الباردة في العالم، وخرجت الدراسة بمنع قيام اية دولة منافسة للولايات المتحدة، ولكن القيادة العسكرية عدتها جنونا افلاطونيا وتم دفن تلك الدراسة، ولكنها نشرت مرة أخرى عام 2000 وروجت على انها العقيدة الامنية الجديدة للادارة الاميركية الجديدة. وبعد تعيين ديك تشيني نائبا للرئيس الاميركي حاول تمرير هذه السياسة واعطتهم احداث سبتمبر 2001 الفرصة التي كانوا ينتظرونها بعد اكثر من عشر سنوات من فشلهم في تمرير افكارهم بسبب معارضة العقلاء العسكريين.

واتهام فريدمان العلماء في العالم الاسلامي بالصمت تجاه احداث سبتمبر مخالف للواقع، لان جميع علماء الامة الاسلامية استنكروا استهداف قتل مدنيين وابرياء آمنين واكدوا على ان هذا ليس من الدين في شيء، وانما هو من التطرف الذي يمقته الاسلام. كما ان فريدمان يخلط بين الارهاب والمقاومة ويصر على اعتبارهما شيئا واحدا، واعتبار الاحتلال الاسرائيلي امرا واقعا ومقاومته ارهابا. مخالفا بذلك لكل الشرائع والقوانين التي توجب على الانسان مقاومة المعتدي والمغتصب بجميع الوسائل الممكنة. فامتداح الصحف والعلماء والعمليات الاستشهادية في فلسطين امر مشروع وواجب، وهو الخيار الوحيد في الوقت الحاضر لمقاومة دولة الارهاب وارهاب العصر الرافضة لخيار السلام، خاصة في ظل الظروف الراهنة والحالة التي يعيشها المسلمون من الانقسام والضعف وعدم قدرتهم على نصرة اخوانهم الفلسطينيين المضطهدين بسبب اختلال معايير الشرعية في المعادلة الاقليمية التي رسمتها القوى الدولية. فإذا كان توماس فريدمان يخشى على اسرائيل وشعبها من التدمير وبث الرعب في قلوبهم فلماذا لا ينصح ويناشد اسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا باستخدام صوت العقل في ارجاع حقوق الشعب الفلسطيني المغتصبة لتعيش دولة اسرائيل في سلام؟