العراق قادر على النهوض بأبنائه لا ببقاء الأميركيين على أراضيه

TT

طالعنا يوم السبت 2002/11/16، في العدد 8754، الكاتب عادل عوض بمقالة بعنوان «انضمام العراق الى «الناتو» الموسع»، وبالمطالبة ببقاء القوات الاميركية بعد اسقاط النظام ولسنوات طويلة، معلقا ومساندا الدكتور كنعان مكية في هذا التصور، ويدعو في مضمون ما كتبه الى تقليص الجيش العراقي وظهور قوانين وانظمة واضحة تطبق على الجميع توفر حالة طمأنينة سياسية نسبية في البلد، ويبقى الوجود العسكري الاميركي رادعا لأي محاولة خارجية من تركيا وايران واسرائيل للتدخل في العراق وعرقلة البناء الديمقراطي الموعود وكذلك ضمانا لعدم تكرار «دور الشر» للحكومات المتعاقبة، مما لا يسمح بتحويل العراق الى دولة مدينة تستنفد ثرواتها لتسديد الديون الكبيرة المستحقة عليها، ولا توفر المعيشة الحسنة للشعب. وكذلك فان وجود قوات اميركية في البلاد سيشجع المستثمرين الاجانب على المشاركة في إعمار العراق والغاء ديونه، وانه في حالة انسحاب هذه القوات فإنه يعوض ذلك قيام العراق بالانضمام الى حلف «الناتو» الذي سيوفر غطاء امنيا له! لدي بعض التساؤلات او الردود على هذا الطرح. اولا: ما علاقة وجود القوات الاميركية بتدفق الشركات العالمية للاستثمار في العراق؟ صحيح ان الامن والاستقرار عامل اساسي ومساعد في ذلك، فهذا يتحقق بوجود الاميركيين هناك او عدمه، وما ادرانا ان وجودهم هناك سيكون عامل استقرار، ولا يخفى على المتابعين لأحداث العراق مدى تعرض المصالح الفرنسية والروسية من خلال العقود التجارية الموقعة مع النظام الحالي، رغم استبداده للتحجيم والتهميش، اذا ما حصل هجوم على العراق من قبل الولايات المتحدة. فالعلاقة بين الدول تحكمها غالبا المصالح الآنية والمستقبلية بغض النظر عن طبيعة النظام الذي تتعامل معه. وما وجود الولايات المتحدة في العراق الا لتحقيق مصالحها الكبرى في المنطقة والعالم، واكثر ضمانا ونفعا ومباشرة اذا ما نافستها دول اخرى، هذا اذا اخذنا في الاعتبار ان هذا الوجود لا يتعدى المصالح الاقتصادية، كما ان الديون الضخمة المستحقة على العراق لا يلغيها مجرد تغيير النظام من حكم استبدادي الى حكم ديمقراطي، بل مدى استعداد النظام للتعاون في تحقيق المصالح والشروط المالية والسياسية للدول الدائنة، فلا يعطى شيء من دون مقابل. اما في حالة العراق الغني بموارده وثرواته، فهو قادر على الوفاء بديونه مع او بدون عقد مؤتمر اقتصادي عالمي كما اشار الكاتب لحل مشكلة الديون. ثانيا، ان اقتراح الكاتب تقليص الجيش وتنصيب الاميركيين مدافعين عن وحدة العراق وضد اي محاولة خارجية للتدخل وجعلهم صمام الامان للبناء الديمقراطي المزعوم، شيء يدعو الى السخرية، كأن الشعب العراقي بفئاته وقياداته الشعبية والثقافية في الداخل والخارج غير قادر على بناء عراق ديمقراطي يسمح بالتعددية والمساواة امام القانون وحرية تداول السلطة، وكأنها دعوة جديدة الى الوصاية الاجنبية، كما حصل عقب سقوط الخلافة العثمانية، لتعليم الشعوب العربية كيفية قيادة نفسها كونها لم تبلغ بعد سن الرشد السياسي والحضاري في ادارة شؤونها! ان حل مشكلة تدخل الجيش في الامور الداخلية للبلد لا يكون بتقليص عدده وجعله ضعيفا، وانما يكون بقصر دور الجيش على حماية الحدود من العدوان الخارجي من خلال تطويع الثقافة والآيديولوجيا التي تحكم العقلية العسكرية والمدنية ومن خلال تقنين دور الجيش كما في معظم الديمقراطيات في العالم، ولا يكون ذلك بارتهان بلد بكامله لمصالح الوصاية الخارجية على مقدراته وشؤونه ولا لمصالح فئة مستبدة في الداخل.