الحركة الشعبية وأوهام التفوق السكاني في السودان

TT

بمناسبة انتهاء اعمال الجولة الثانية من مفاوضات السلام السودانية بين الحكومة وحركة قرنق بالتوقيع على تفاهم بشأن بعض عموميات تقسيم السلطة وتجديد وقف العدائيات، لدي ملاحظة على اقتراح اجراء تعداد سكاني في البلاد لمعرفة الحجم السكاني الحقيقي للعنصر العربي في ولايات السودان المختلفة مقارنة بالعنصر الافريقي في الاقليم الجنوبي للسودان.

في تصوري فان جون قرنق ما زال يعيش في ظل اوهام روج لها بعض المثقفين السودانيين المتعاطفين مع حركته، ومفادها بأن العنصر الافريقي يحظى باغلبية سكانية في مناطق، السودان المختلفة، وان التفوق السكاني للعنصر العربي الذي عرف به السودان منذ نشأته ما هو الا ادعاءات وارقام مغلوطة لا تعكس حقائق التركيبة الفعلية لسكان السودان، حيث ان جون قرنق معروف عنه معارضته وعداؤه الشديد للتوجه العروبي للسودان. فإن الهدف من مثل هذه المطالبات ومن قبلها الحملات الاعلامية المماثلة التي كان يطلقها منظرو حركته بين الفينة والاخرى، ما هو الا لإثارة الشكوك حول الهوية العربية للسودان، ومحاولة تصوير السودان دولة يغلب عليها العنصر الافريقي، وان العنصر العربي لا يشكل بالتالي سوى اقلية من التركيبة السكانية، وان اجراء أي تعداد سكاني ليس سوى مضيعة للوقت وهدر لأموال نحن في أمس الحاجة لصرفها على ما يفيد الناس، الا اننا ونزولا عند رغبة الحركة اذا افترضنا جدلا بأن التعداد السكاني المزمع اجراؤه في الفترة الانتقالية من الحكم قد يسفر عن نتائج تشير الى غلبة العنصر الافريقي، فإن السؤال يبقى: ما الذي سوف تحققه البلاد من مكاسب عندما يؤول امر قيادتها للعنصر الافريقي اذا ثبت تفوقه سكانيا فيه؟! واذا كان السودانيون موعودين خيرا بعد اثبات تفوق العنصر الافريقي، فلماذا اذن ظلت جميع دول القارة الافريقية السوداء ذات الكثافة الافريقية البحتة تحت خط الفقر والحرمان والتمرد باستثناء دولة جنوب افريقيا المتطورة؟ الفضل في ذلك في اعتقادي، يعود للاستيطان الابيض فيها، وبالمثل فإن التقدم الحاصل في دول الشمال الافريقي يمكن ان يعضد ما ذهبت اليه بأنه افضل للسودان لو اريد له التطور ان يظل العنصر العربي ممسكا بزمام الامور مع احترام خصوصية الكيانات الاخرى ذات البعد الافريقي.