إسرائيل والسلام و... التفاوض مع الزمن؟

TT

عندما انطلقت مفاوضات السلام في مؤتمر مدريد الشهير (طيب الله ثراه) قال رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق شامير كلاماً يعادل وزنه ذهباً.. الجميع سمع. ولكن لا أحد حاول أن يفهم و مع مرور الوقت نسي الجميع ما قاله ذلك الرجل. قال ببساطة: «سوف نجرجر المفاوضات عشر سنوات ولن نمنح العرب اتفاق سلام».

حسناً، العشر سنوات انقضت والسلام لم يتحقق بعد.

لم يكن الأمر، بطبيعة الحال، نبؤة لرجل «مكشوف عنه الحجاب »، و لا مجرد كلام عابر قاله رجل مهووس بالاستيلاء على أرض الآخرين، ولا كان خطاباً عربياً يتفرقع مثل فقاعة صابون.

المسؤولون الإسرائيليون لا يقولون كلاماً فارغاً كلامهم بالأحرى موزون ومقفى أكثر مليون مرة من أي قصيدة للمتنبي. وهم إذا قالوا فعلوا. و هم بهذا المعنى «رجال» ضمنا غولدا مائير، أكثر من أي عرب كثيرين في المنطقة. لماذا؟ لأنهم، ببساطة، يقولون كلاماً تم التخطيط له مسبقاً، وتم التفكير به مسبقاً وتمت مراجعته والتدقيق فيه مرة واثنين وثلاثا. وقد يصدر الكلام بأي صياغة، إلا انه مدروس. فهناك في إسرائيل خبراء ومثقفون ومفكرون وأساتذة يخوضون في غمار السياسة والتخطيط الاستراتيجي بصفة مستقلة تماماً. وهؤلاء يكتبون بحرية، ويفكرون بحرية، وينتقدون بحرية، وينشرون نتائج أبحاثهم بحرية، ويجادلون طبقة الساسة بحرية، ويختلفون مع زعمائهم بحرية، ويختلفون مع بعضهم البعض بحرية. وهم بذلك مثل الباحث عن الذهب، يغربلون التراب ويعيدون غربلته، وينقونه من الشوائب، حتى يعثرون عليه.

ولهذا السبب فان كلامهم «ذهب خالص». أما كلامنا فهباء، لا أحد فكر فيه، ولا أحد ناقشه، ولا أحد قدم فيه بحثا مستقلاً، ولا أحد جادله، ولا أحد غربله ومعظمه صادر عن ملكوت عبقرية استثنائية لمن يعتقدون ان كلامهم ذهبا. ولكي لا نزعم، كالعادة، إنها مؤامرة فقد قال شامير كلامه علناً، من دون أن يخشى شيئاً فقد كان يعرف أن احدا لن يرد عليه.

الجميع سمع. ولكن لا أحد قال تعالوا لنوقفه عند حده. ولا أحد تساءل عن المعنى الاستراتيجي لتلك الجرجرة. ولا أحد اتخذ إجراء ملموساً لإلزام إسرائيل بإنهاء المفاوضات في غضون عشرة أشهر.

لقد انقضت السنوات العشر، و من دون أن نسأل ما السر الكامن وراء هذا الرقم، أو ماذا يتعين أن نفعل بشأنه!