الخلاف والاختلاف حول زمن ميلاد السيد المسيح

TT

نشرت صحيفة «الشرق الأوسط» في عددها الصادر يوم 24/12/2002 مقالا بعنوان (أصل أعياد الكريسماس وثني من منطقة الشرق الأوسط تبنتها الكنيسة)، تناول فيه الكاتب موضوع اصل أعياد الميلاد. لقد اجاد الكاتب بمقاله فيما يرمي اليه حول هذا الموضوع، ولكن المشكلة الحقيقية هي في عدم اتفاق العالم على يوم ميلاد السيد المسيح عليه السلام أولا.

ان تاريخ ميلاد المسيح يوم 25 ديسمبر (كانون الأول)، كما يحتفل به الغرب الآن، لم تأت على ذكره الاناجيل الاربعة، لا من قريب ولا من بعيد، وفيه خلاف بين المذاهب المسيحية. فقد ورد في كتاب قصة الحضارة للكاتب (وول ديورانت 11/212) انه حدد كل من انجيلي متى ولوقا المسيح في الايام التي كان فيها (هيرودس) ملكا على بلاد اليهود، أي قبل عام 3 ق.م، بينما حدده يوحنا بين عامي 2 ـ 1ق.م. وقد ذكر (ترلتيان) ان (سترنينس) حاكم سورية اجرى احصاء عام 8 ـ 7 ق.م. فاذا كان هذا الاحصاء هو الذي اشار اليه انجيل لوقا فان ميلاد السيد المسيح يجب ان يؤرخ قبل عام 6 ق.م. هذا بالنسبة لتاريخ العام الذي ولد فيه المسيح. اما اليوم الذي ولد فيه بالتحديد فلم يأت على ذكره أي مسن الاناجيل الاربعة كما اسلفت. وقد نقل عن (كلمنت الاسكندري) حوالي عام 100م آراء مختلفة في هذا الموضوع كانت منتشرة في ايامه، فقد قال بعض المؤرخين انه اليوم التاسع عشر من أبريل (نيسان)، وبعضهم قال بالعاشر من مايو (ايار). وان كلمنت هذا قد حدده باليوم السابع عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الثالث قبل الميلاد. وكان المسيحيون الشرقيون يحتفلون بميلاد المسيح في اليوم السادس من يناير (كانون الثاني) منذ القرن الثاني قبل الميلاد. وفي عام 354 احتفلت بعض الكنائس الغربية ومنها كنيسة روما بذكرى ميلاد المسيح في اليوم الخامس والعشرين من نوفمبر، وكان هذا التاريخ قد عد خطأ يوم الانقلاب الشتائي الذي تبدأ الايام بعده تطول. وكان قبل هذا يحتفل فيه بعد (مثراس) إله اليونانيين، وتمسكت الكنائس الشرقية باعتبار ميلاده يوم السادس من يناير (كانون الثاني). وفي نهاية القرن الرابع اتخذ قرار في المجامع المسكونية بأن يكون اليوم الخامس والعشرون من ديسمبر يوم ميلاد المسيح.

وفي انجيل لوقا 2/7ـ8 (فولدت ابنها البكر وقمطته واضجعته في المذود اذ لم يكن لهما موضع في المنزل. وكان في تلك الكورة رعاة متبدون يحرسون حراسات الليل على رعيتهم). ووجه الاستغراب هنا ما الذي يدعو مريم العذراء ان تترك المنزل ودفأه لتلد خارجة في اشد ايام السنة بردا؟ وهل يترك الرعاة غنمهم ترعى في مثل تلك الايام القارصة بديل ان تخبئها في مرابضها؟

اما نحن المسلمين فنقول قوله تعالى: (فحملته فانتبذت به مكانا قصيا. فاجأها المخاض الى جذع النخلة)، وقد اكد المؤرخون ان المكان المذكور في بيت لحم ولا يزال بأطرافه شجر النخيل وورد في قصة الحضارة (16/12) ان الانسان كان أينما سار في أوروبا يلتقي بحجاج ـ ويقصد هنا المسيحيون ـ يدلون على انهم ادوا شعيرة الحج الى الاماكن المقدسة في أورشليم القدس بأن وضعوا على اثوابهم شارة على شكل الصليب من خوص النخيل، وكان هؤلاء يسمون (Palmers) من كلمة (Palm) أي النخلة. وولادته تمت صيفا لا شتاء لقوله تعالى: (وهزي اليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا)، والرطب هو نوع من انواع التمر الذي لا ينضج الا في فترة الصيف، ويؤكد هذا المعنى كلمة الجني وهو ما طاب وصلح لأن يجنى فيؤكل والذي لم يجف ولم ييبس.