العدالة هي ما يحتاجه العرب وليس دروس الديمقراطية

TT

بعد اطلاعي على الكثير من الردود التي نشرت في «الشرق الأوسط» خلال الايام الماضية على الخطوة الاميركية المتعلقة بتعليم العالم العربي اصول الديمقراطية، تشكلت في ذهني هذه الرسالة الى وزير الخارجية كولن باول:

قبل ايام اعلنت ان البيت الابيض اقر وضع ميزانية تبلغ حوالي 29 مليون دولار من أجل نشر مبادئ الديمقراطية في العالم العربي والذي هو من وجهة نظر حكومتكم يفتقر لمثل هذه المبادئ التي لا سبيل لرقي الانسان وتحضره الا من خلالها.

إن التفاعل بين الحضارات ضروري لاستمرار الحياة على وجه هذه الارض، ولا يمكن لأي حضارة ان تستمر الا من خلال التفاعل مع الحضارات الأخرى، وذلك يعني ان اي حضارة انطوت على نفسها ولم تتجاوز المحيط الذي قامت عليه كان مصيرها الفشل والفناء.

والعرب امة ذات ماض حضاري عريق قادوا العالم في الوقت الذي كانت فيه كثير من أمم الارض غارقة في ظلام الجهل والخرافات، وهم مع التفاعل مع بقية الحضارات وليسوا ضده، من أجل بناء مستقبل مشرق للانسانية، وهذا بعكس ما يروجه عنهم اعداؤهم في وسائل الاعلام.

كان من الاجدى على حكومتكم المحترمة بصفتها تقود اكبر دولة في العالم ان تضع في اولوياتها بعض الخطوات الضرورية:

ـ لماذا تهتم حكومتكم بنشر الديمقراطية في العالم العربي وهي تناصبه العداء وان كان بشكل غير مباشر من خلال تحيزها التام لاسرائيل في قضية الشرق الاوسط، فلو كانت حكومتكم حريصة على نشر الديمقراطية ومبادئ الشفافية السياسية في العالم العربي لعملت على حل النزاع العربي ـ الاسرائيلي وساعدت على احلال السلام في المنطقة.

ـ كان من الأولى على حكومتكم ان تدخل في عملية مصالحة ومكاشفة مع الدول العربية التي تضررت من اطماع بلادكم السياسية والاقتصادية، وخير مثل هنا ليبيا، فبلادكم فرضت عليها ظلما وعدوانا حصارا طويلا دام اكثر من عشر سنوات كبدها خسائر تتجاوز عشرات المليارات من الدولارات، وهنا لم تتساءلوا ولو لمرة واحدة كيف سيتقبل الشعب الليبي كل ما هو اميركي ناهيك عن تقبل الديمقراطية من مدرسين اميركيين؟ ولا نذهب بعيداً الآن بلادكم تعد العدة لضرب العراق، أليس في هذا تناقض بين ما تصرحون به وبين ما يطبق على ارض الواقع؟

ـ لا اعتقد ان قيامكم بنشر الديمقراطية في العالم العربي اهم من قيامكم بمحاربة الفقر الذي تسببت فيه بلادكم لكثير من دول العالم، ولا هو اهم من قيامكم بمحاربة الامراض التي تسببت فيها اسلحتكم الفتاكة التي تم استخدامها ضد الشعب الافغاني.

خلاصة القول، ان العرب ليسوا بحاجة لمثل هذه الدروس المجانية بمثل حاجتهم لاتخاذ حكومتكم موقفا عادلا غير منحاز في قضية الشرق الاوسط، العرب بحاجة الى وقوفكم بجانب الحق ومساعدة المظلوم وليس اعانة المجرم على ارتكاب جرائمه. العرب مستعدون اكثر من غيرهم للعيش بسلام، ومستعدون لخدمة الانسانية والتفاعل مع الحضارات الأخرى بما يخدم الانسان، ولكن على ان يتم ذلك ضمن حدود وأطر تكفل لهم سيادتهم وحقوقهم وخصوصيتهم الثقافية كأمة ذات حضارة عريقة وذات ماض مجيد.