أميركا تسقط بسلاحها

TT

من زمان قلنا لكم «ما هكذا تكون الديمقراطية، هذا فعل مشبه بها» فما صدقتم! قلنا «هذا رياء» وما صدقتم.

صحيح أن الولايات المتحدة لم يؤسسها على الأرجح زمرة مجرمين ومطلوبين وفارين من أوروبا، وقد يكون بعض قاصديها فروا إلى الحرية لعلل وأسباب، لكن الأكيد أنها خرجت من معطف الاستعمار الغربي على جثث الهنود الحمر واستمدت دفء توسعها من فروة رؤوسهم. ثم بعدما أجهزت عليهم انقلب المستعمرون على المستعمرين كانقلاب السحر على صاحبه، فصادر البيض ولايات الملونين الاسبانيول من شمال المكسيك وغيرها، ومزارع البرتوغيز في البرازيل. واشتهت الولايات المتحدة مستعمرات أسلافها وقد كانت لا تغيب عنها الشمس إلا في عاصمتها الضباب، ولحق بلاد المارسيلياز طرطوشة كبيرة. كنا نسألكم الكثير بلا جواب:

* كيف تكون أمّ الديمقراطيات، وتستعمر؟

* كيف تكون أمّ الديمقراطيات، وتغتال أحلام الشعوب؟

* كيف تكون أم الديمقراطيات، وليست تعطي التكافؤ في فرص العمل، والعدالة في توزيع الثروة؟

* كيف تكون أم الديمقراطيات، وشعبها مميز عنصريا ألوانا وأديانا وطبقات؟ رئيسها بروتستانت حتى إشعار آخر مع شواذ بسيط على القاعدة حدث منذ 40 سنة وفسّره بعضهم بنزول عند رغبات المافيا؟! رئيسها أبيض حتى إشعار آخر والأقليات «الكبيرة» لا حاكم لها ولا من يحكمون.

* كيف تكون أم الديمقراطيات، ومعظم إعلامها ملك التزوير بلا منازع وينعم بشهرة كونية في فنون التلاعب بالرأي العام؟

* كيف تكون أم الديمقراطيات، وتفرض علينا كي تبيعنا كل ما يضر من السلاح إلى الدخان؟

* كيف تكون أم الديمقراطيات، وقد قلنا لها سابقا ونكرر: سلاحك خبز لنا وخبزنا دين علينا؟

* كيف تكون أم الديمقراطيات، وحزباها فقط يملكان الحق الحصري أو هما الوكيلان الوحيدان لتفليستها السياسية ولا أحد له رأي خارجهما؟

* كيف تكون أم الديمقراطيات، وتسلب الشعوب ثرواتهم لتعيش على ظهرهم؟ لا أحد يأكل ويشرب وينام إلا بإذنها. وإذا كان الأمر كذلك فهي أم مستبدة بل شرطي قمع عندنا مثله الكثير، فلماذا تزيد علينا همومنا؟

* كيف تكون أم الديمقراطيات، وتستعمل حق النقض مع ربيبتها المدللة إسرائيل فقط بوجه 130 دولة على أقل تعديل؟ نريد أن نفهم أهي الديمقراطية بالأكثرية أم بالفيتو؟

* كيف تكون أم الديمقراطيات، وتصرف بسخاء حكم الإعدام على أناس قد يثبت بعد فوات الأوان أنهم أبرياء؟

* كيف تكون أم الديمقراطيات، وتدعو إلى انتخابات واستفتاءات لتقرير أهواء شعبها على وقع جرعة كبيرة من الكوكا في مشروبها الوطني الغازي، وتلعب لعبة الغازي لتحديد مصائر الشعوب الأخرى؟

* كيف تكون أم الديمقراطيات، ونظامها الانتخابي على هذه الشاكلة: لا تعدد أحزاب. لا مرشحين «فقراء». الأبناء يرثون الآباء حتى في الرئاسة، وقد يضرسون وقد يتذوقون. لا تأثير للأقليات «الكبيرة» إلا في ما ندر. شعب ينتخب مندوبين ومندوبون «ينتخبون» الرئيس من اثنين، ثم يندبون الوطن. خيار الانتخاب الأول: وسامة المرشح أي عفوية القلب لا وعي العقل.

الولايات المتحدة أرادتها حرية إعلام على طريقتها، وتفوقت على نفسها والآخرين ونشرت كل شاردة وواردة في طول الأرض وعرضها على موجات الأثير، وهذا حسن جدا بل ضروري. لكنها بعد ذلك ولفرط ما تلاعبت بالرأي العام سقطت بسلاحها، سلاح الميديا المتطور، لأن إعلامها غدا يشبه ديمقراطيتها في السعي إلى السبق المفتعل المزور.

اليوم كل العيون عليها، تستطلع اسم الرئيس الجديد والرئيس لما يأت، ودوائرها الانتخابية تتخبط بالأخطاء والتزوير والاتهامات وتمويل الحملات وسطوة الشركات الكبرى. هذه ليست حملات انتخابية ولا إعلامية بل هي حملات إعلانية: يكسب أكثر من يكذب أكثر. أممنا ليست أفضل من أمة الأميركان، لكننا كشعوب، لا ندعي على الأقل أننا أمهات الديمقراطيات وآباؤها.