إضعاف أوروبا يريح واشنطن ولا يزعجها

TT

علمنا التاريخ ان القوة تبعث الغرور في الحاكم فيتحول الى دكتاتور، حتى ولو انتخب شعبيا. فهو الدولة والشعب والحق هو ما يراه حقا، ومن ليس معه فهو عدوه وعدو بلاده وشعبه. ونرى اليوم هذه الظاهرة تتبلور حتى في بلاد المؤسسات الديمقراطية والحريات وحقوق الانسان، مثل الولايات المتحدة الأميركية، تحاول وسائل الاعلام الأميركية والبريطانية اليوم كسب الرأي العام العالمي بالدعاية المبنية على الخداع، والاشادة بمن يساند سياسة بوش في حربه على العراق، ومهاجمة من يشكك في هذه السياسة. فقد طالعتنا وسائل الاعلام اخيرا، بتعليق على بيان بعض رؤساء دول اوروبية يدعون بصدق الى المحافظة على الوحدة التاريخية بين اوروبا الغربية واميركا بعدما تعرضت للضعف بسبب سياسة بوش باعلان الحرب على العراق ومواقف شرودر وشيراك منها. وصفت وسائل الاعلام الأميركية هذا البيان بأنه تأييد للرئيس الاميركي ونقد لشيراك وشرويدر وانقسام خطير في اوروبا. وقد قرأت البيان عدة مرات فلم اجد فيه تأييدا لبوش ولا انتقادا لشيراك أو شرويدر. ان البيان كما ذكرت يهدف الى المحافظة على الوحدة الاطلسية، ويؤكد تمسكهم بالحرب ضد الارهاب ووسائل الدمار الشامل وتأييدهم لقرارات الأمم المتحدة ضد العراق بما فيها القرار رقم 1441 الذي يعطي الرئيس العراقي الفرصة الاخيرة لنزع سلاحه وتجنب المواجهة. واشار القرار الى مسؤولية مجلس الامن للتأكد من تطبيق هذا القرار، حتى لا يفقد مصداقيته. واكد ان اتحاد وتعاون وتصميم المجموعة الدولية هو الامل الامثل للوصول الى الهدف بالوسائل السلمية.

ان كل الذي ورد في القرار لم يخرج عن ما سبق ان وافقت عليه جميع الاطراف في مجلس الامن بما في ذلك المجموعة العربية. لم يشر البيان الى حتمية الحرب ضد العراق أو خوضها من دون موافقة مجلس الأمن كما تهدد اميركا او ارسال قوات فعلا للمنطقة. ان الهدف من هذه الدعاية هو بث الفرقة بين الدول الاوروبية لاضعاف الاتحاد الاوروبي الذي اصبح يهدد المصالح الاميركية الاقتصادية، كذلك يهدف الى افهام الحكومات العربية ان اوروبا كلها تقف مع واشنطن في الحرب على العراق، ولإضعاف هذا الصوت الخافت المعارض للحرب ضد العراق الذي يصدر عن بعض الحكومات العربية في العلن لارضاء الرأي العام الشعبي الذي تميز بدوره بالضعف بالمقارنة بصوت الشعوب الاوروبية، وحتى الشعب الاميركي ضد هذه السياسة الاميركية اللامعقولة.