الخيار الوطني كما طرحه العتباني مطلوب حقا

TT

لقد طالعت في صحيفة «الشرق الاوسط» يوم 2003/7/21، ما ادلى به مستشار رئيس جمهورية السودان غازي صلاح الدين العتباني وطرحه للخيار الوطني مخرجا لحل مشكل السودان وايقاف توالي الاحتراب. وقد لمست في تصريحه صحوة في الرؤية وواقعية في قراءة المستقبل، واهم ما جاء في التصريح القناعة بالخيار الوطني الجامع بعيدا عن اسقاطات الماضي، معللا بشروط متمثلة في ان يبنى على الارضية المشتركة لكل القوى السياسية الوطنية، حيث تصبح المهمة الاولى هي البحث عن الارضية المشتركة وتعريفها، وان ينظر للمستقبل وتجنب الخوض في الخلافات التاريخية واحداث الماضي، وان لا يتحول الخيار شماليا وهناك رصيد واسع في الجنوب يجب ان يبنى عليه.

الارضية المشتركة التي نسعى لها جميعا هي الاعتراف بكافة اخطاء الماضي وتشريح اسبابها لكي يتم تجاوزها. فمنذ بزوغ فجر الاستقلال لم يتبين كيفية حكم السودان، فجاءت حكومات ما بعد الاستقلال محاكاة لنمط المستعمر في الجمعيات التأسيسية، بعيدا عن حاجة الوطن للتنمية والعيش الكريم. وعلى الرغم من حفاظهم على مستوى عال من التعليم والنظام الاداري الا انهم لم يقدموا ما قد يساعد السودان في تركيبته الافريقية العربية، وما به من تعدد اثني اجتماعي ثقافي حضاري قبلي ريفي، وما يتطلبه هذا التعدد من تشريعات وتخطيط ودراسات الامر الذي دفع الى توقف عجلة التطور والنماء وادخلنا في حالة عدم استقرار. فجاءت تلك الحلقة المتعاقبة من حزبية الى عسكرية، وفي جميعها لم نتوقف ابدا بجدية لايجاد وسيلة لكسر رباط هذه الحلقة.

في تقديري ان الوسيلة الوحيدة التي تؤدي الى كسر الجمود وتحرك الحس القومي الوطني للجميع هي ان تعترف الاحزاب السياسية السودانية جميعها، شمالية او جنوبية شرقية او غربية، حكمت ام جلست في صفوف المعارضة، بما ارتكبته من اخطاء خلال مسيرة البلاد حتى اليوم، وان تسجل مؤسساتها هذا الاعتراف وان تعترف المؤسسة العسكرية بما ارتكبته من اخطاء في حق الشعب والبلاد وان تؤسس نظمها بعيدا عن هذه الاخطاء.

والحكومة الحالية مطالبة بقدر اكبر من الاعترافات لما سجل عليها من اخطاء جسام. حقا ان دعوة المستشار للوفاق صادقة المقاصد، ويتحتم على الحكومة تأهيل مثل هذه المبادرة باطلاق الحريات بالمعنى الحقيقي وفسح المجال امام كافة القوى السياسية والمفكرين واهل الرأي من كافة اصقاع السودان كل في ما يهمه من قضية وباختلاف انتماءاتهم السياسية للمشاركة واستصحاب تطلعاتهم ورؤاهم في التفاوض وقفل باب الوكالة عنهم وتوسيع دائرة المفاوضين لتشمل من هم اقدر على كسر الجمود واعلم بالمصالح القومية الوطنية.