التصفيات الجسدية في السودان بين تقاعس الولاة.. وبيروقراطية الحكومة!

TT

حتى وقبل ايام قليلة مضت.. كتب كثير من الاخوة السودانيين وعبر.. «الشرق الأوسط» ينددون بوالي كسلا والذي ـ حسب وجهة نظرهم ـ انه تقاعس تماما عن اداء واجبه ولم يتخذ الاحتياطات اللازمة والكافية لحماية ولايته من خطر السلاح المنتشر في كل مكان باقليمه، وانه تهاون بصورة كبيرة في مراقبة تحركات اعضاء المعارضة المسلحة مما سهل سقوط اعداد كبيرة من الضحايا في الحادثة الاخيرة في كسلا، لكننا فوجئنا، نحن القراء، خصوصا وان مداد اقلام هؤلاء الكتاب لم يجف بعد بأن عدوى هذه الاسلحة قد انتقلت من شرق السودان ولتدخل وبكل سهولة الى العاصمة، لكن هذه المرة ـ على ايدي المحسوبين على النظام الاسلامي ـ حيث تمكن اصحابها من ارتكاب اغتيالات سياسية وحصد ارواح مواطنين ابرياء.. وقد اختار الجناة ان يكون توقيت ارتكاب مجزرتهم موافقا تماما شهر رمضان الكريم.. وتحديدا في يوم الجمعة حيث يكون الجامع المستهدف من قبلهم مليئا بالمصلين.

لقد سبق ان قامت جريدة «الشرق الأوسط» بالتعليق الهادف للفت النظر لظاهرة السلاح المتداول في السودان ولفت انتباه المسؤولين فيه الى ان لبنان ما خرب ودمر في اعوام السبعينات إلا بعد ما كانت كميات السلاح فيها تفوق اعداد السكان. ثم توالت كتابات عشرات السودانيين الذين نددوا بأسلوب الحكومة البطيء و... (المتعمد!!) في جمع السلاح ومصادرته والذي امتلكته اياد غير مؤهلة لحمله، بل وأصلا لا يحق لها حمله. وتكلمنا نحن ـ السودانيين ـ كثيرا في الصحف والمجلات عن هؤلاء الاجانب الذين جلبتهم الجبهة الاسلامية بسلاحهم ليكونوا عونا لها وسندا عند الملمات فاصبحوا عبئا على السودان كله!! لكن كل هذه النداءات والاستنكارات ما لقيت لها سميعا أو مجيبا في اروقة الحكومة والحزب الحاكم منذ عام 1990. واليوم عادت حليمة لعادتها القديمة، وظهر على سطح الاحداث اسلوب التصفيات الجسدية بين الاسلاميين (الاخوة الاعداء)!! وليدفع المواطن العادي الثمن.. والشيء الذي يحز في نفس كل سوداني ان الحكومة ما زالت تشكل غيابا كبيرا في هذه الاحداث فهي مشغولة ـ وحسب وجهة نظرها ـ بما هو اهم وانفع والذي يتمثل في الصراع مع الجناح الآخر.. والانتخابات! لهذا نقول انه لا غرابة في ان يسقط عشرات الضحايا في ظل هذا الغياب الأمني.. بل وسيسقطون دوما طالما هناك ايضا تقاعس كبير من الولاة في مصادرة السلاح في ولاياتهم.

والشيء المؤسف ايضا انه وفي هذا البلد الكبير والذي كان ارض الحضارات والسلام يعيش ومنذ احد عشر عاما مسلسل التصفيات الجسدية ابتداء من اقصى جنوبه ومرورا بغربه وشرقه انتهاء بالعاصمة، بل والاغرب من كل هذا ان الحكومة السودانية والمسؤولين فيها يغضبون بشدة عندما تقول الامم المتحدة ان السودان بلد لا ينعم بالاستقرار ويعمه الارهاب المقنن.