المدرس أم المنهج.. أين المشكلة؟

TT

في الاجتماع الدوري لأولياء الامور في احدى المدارس العربية بأميركا، والتي تدرس المنهجين العربي والاميركي لطلبتها، خرجت من الاجتماع بملاحظتين، الاولى هي ان عدد أولياء الامور العرب الحاضرين في الاجتماع اكثر من عددهم في الاجتماعات المماثلة التي كنت قد حضرتها في بلدي العربي. بمعنى انني لاحظت ان هناك فرقا واضحا بين عدد الحاضرين في المدرسة العربية بأميركا والمدرسة العربية ببلدي، على الرغم من ان كل الحاضرين في الحالتين من بني العرب. فهل يعني هذا ان العرب هم اكثر اهتماما بأولادهم في اميركا منهم في البلاد العربية؟ كما لاحظت ايضا كثرة حضور السيدات العربيات ومشاركتهن الفعالة في المناقشات ومداخلاتهن الذكية مع أولياء الامور الرجال. فهل بيئة بلاد العرب تجعل السيدات العربيات لا يتناقشن أو يتحاورن مع الفحول العربية؟ اما الملاحظة الثانية ـ وهي المهمة لهذا المقال ـ فهي عن المدرس والمنهج، فقد لاحظت عند عرض مدرسي المنهج العربي والمنهج الاميركي للخطة الدراسية والطرق التدريسية والوسائل التعليمية ان هناك فرقا كبيرا بين المُدّرسَيْن على الرغم من انهما عربيان ويعملان تحت سقف مدرسة واحدة. فالمدرس العربي عند عرضه للمنهج الاميركي يكون كتلة من النشاط والحيوية ويشرح بحماس، وعند الانتهاء يتناول القهوة ويتبادل الحديث مع كل ولي أمر على حدة. وعندما جاء دور المدرس العربي لشرح المنهج العربي كانت مناسبة جيدة لبعض أولياء الأمور لأخذ غفوة، فالشرح كان مملا، بسبب كثرة تكراره لكلمات مملة مثل حفظ وامتحان والدرجات والمقرر، وكان ينقص المدرس عصا غليظة لايقاظ اولياء الامور الكسالى. فهل الاختلاف الكبير بين طريقة عرض المدرسين هو بسبب اختلاف المدرس أم بسبب اختلاف المنهج الدراسي؟

ان اكثر شرائح المجتمع العربي احتراقا هم من المدرسين، لذا نسمعهم يشتكون دوما من مديريهم وطلابهم ناهيك من امراضهم، فلو كانت هناك احصائية عن اكثر شرائح المجتمع العربي عرضة للأمراض المصاحبة لضغوط العمل من ضغط وسكري فأظنها من شريحة المدرسين، على ان عمل المدرس يفترض ان يكون ممتعا، فمخاطر عمل المدرس قليلة مقارنة بالمهن الأخرى كالطب والهندسة والتجارة. فالطبيب يخاف ان يخطئ فيموت المريض، والمهندس يخاف ان يخطئ فتسقط العمارة، والتاجر يخاف ان يخطئ فتضيع التجارة، ولا ادري ان كان المدرس يخاف ان يخطئ فيموت او يسقط او يضيع الطلاب او ربما كل هذه الامور. المهم ان بيئة العمل المدرسية تؤثر بشكل كبير في اداء المدرسين، فالمدرس المتحمس هو نتاج بيئة مدرسية تبعث على الحماس، والمدرس الممل هو بالطبع نتاج بيئة مدرسية تبعث على الملل.

وماذا عن مدرس المنهج العربي في المدرسة العربية بأميركا، الذي كان ايضا مملا وهو يعمل في بيئة مدرسية مغايرة؟ فهل يعني هذا ان منهج الدراسة العربي يتسبب في ان تكون طريقة اداء عمل المدرس مملة؟ الاجابة عن هذا السؤال صعبة وتحتاج لدراسة متخصصة. ولكن من ملاحظتي لمدرس المنهج العربي، وجدته يسرد مقرره بطريقة جد تقليدية، ولم يخرج طوال مدة شرحه اي وسيلة تعليمية ملموسة، بل انه لم يشر الا على ملصقة جدارية واحدة، فهل يعني هذا قلة وجود الوسائل التعليمية المساندة في المنهج العربي؟ كما ان المدرس كرر مرات عديدة لأولياء الامور ان اولادهم يجب ان يحفظوا الامور الفلانية لأنه سيتم اختبارهم فيها، فهل يعني هذا ان هدف المنهج العربي هو الحفظ والاختبار؟ أنا لا أدري أين المشكلة، أهي في المدرس أم في المنهج العربي أم في كليهما معاً أم في اشياء أخرى لا اعلمها؟!