التصرف الأميركي حيال فضيحة«أبو غريب» واقعي وسليم

TT

في تعقيبي على مقال منى الطحاوي، «صدام حسين: ليتني كنت في السلطة»، المنشور بتاريخ 9 مايو (ايار) الحالي، اقول إن الحقيقة الثابتة الآن، هي إن الإدارة الأميركية والحكومة البريطانية، تواجهان (أزمة) حقيقية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، من حيث المفاجأة الزمنية وعمق التأثير وأتساع المدى، وذلك بعد فضح ممارسات قواتهما العسكرية وشبه العسكرية ضد المدنيين العراقيين المعتقلين في سجن ابو غريب، أمام العالم أجمع، وأمام شعبيهما وأمام شعوب منطقة مسرح عملياتهم المتمثل في الوطن العربي، ومن ثم فقدان مصداقيتهم وادعاءاتهم.

و(الأزمة)، هي نقطة تحول، اما نحو الاحسن أو نحو الأسوأ، وهذا يتوقف على كيفية إدارتها لتقليل خسائرها وتعظيم عائدها. وتُصنف (إدارة الأزمات) كعلم وفن لها مفاهيمها العلمية وأساليبها المنهجية المستمدة من خبرات تراكمية. ومن المعروف أن أميركا وإسرائيل من المتميزين في هذا المجال، وكمثال، أزمة الطائرة الكورية، وأزمة مطار عنتيبي. وما يحدث الآن من تحركات دبلوماسية وإعلامية، أميركية كانت أو بريطانية، هو ممارسات فعلية وتطبيقات عملية لما يسمى بمرحلة (تقليل الخسائر) في معالجة الأزمة، ثم الانتقال للإفادة منها بدلا من الاكتواء بخسائرها، ويتمثل ذلك في الاعتراف بالخطأ من جانب مجتمع مؤسسي متحضر، والإعلان عن محاسبة المخطئين «رغم تفاهة العقوبة المتوقعة بالنسبة للجرم المرتكب»، وإعلان الاستعداد عن تقديم التعويض والترضية المناسبين، وأخير وهو الأهم، المقارنة مع النظام الصدامي السابق والنظم العربية الحالية، وما يرتكب فيها من ممارسات في الخفاء تحت منطق أن الأميركان بشر يخطئون، ولكنهم، على الأقل، يعترفون في تلميح من دون تصريح، بأن ممارسات أهل العرب لا يكشف عنها الحجب، وتصرف الأميركان حتى لو كان شاذا وسقيما فهو على الأقل واقعي وسليم (!!).