بالقراءة نختزن آلاف السنين في عمر إنسان واحد

TT

تعقيبا على مقال محيي الدين اللاذقاني (إفهموني غلطا)، المنشور بتاريخ 15 يوليو (تموز) الحالي، اقول ان القراء في العالم تاريخياً وجغرافياً، هم الأكرمون. والقراءة قبل الذكاء وقبل العبقرية. إن القراءة هي التي تقعد الأقزام على رقاب العمالقة. وترفع الاخلاف فوق أبراج الأسلاف فيأخذون كل ما عند الأسلاف بدون مؤونة إلا مؤونة القراءة. ثم هم بعد ذلك تفتح لهم أيضاً على قدر قراءتهم رؤى جديدة، فنماء العلم وسعته بالقراءة.

من كانت قراءاته قليلة لا يمكنه أن يجتهد، ولا هو بصر مواطن الفهم والرشاد، أو مواطن الخطأ والفساد. إن الذين لا يدرسون علم المقارنة في الآداب والشرائع والتواريخ، ولا يدرسون أحداث العالم، ولا يقارنون فيما بينها، لا يمكن أن يزكوا العلم على أيديهم.

والإنسان لا يمكن أن يتجاوز قدره، وقدره إنما هو بحسب علمه ومعارفه وشخصيته. وكل واحد منا إنما هو محصلة ما جمع من خبرات في هذا العالم الذي يعيش فيه. والخبرات إنما هي الخبرات البشرية المتراكمة التي حصلها بالقراءة.

إن القراءة الواسعة العميقة الملحة، في التتبع والاستقصاء، هي التي تخلص من النموذج والتقليد وعالم الأشخاص. بالقراءة يمكن اختزال التاريخ. بالقراءة يمكن أن يختزل الإنسان عصور المعرفة والتجارب. إن الفرق بين الإنسان الذي يولد في مجتمع القراءة والكتابة، وبين من ولد قبل ذلك العهد، أنه قادر على حيازة تجارب آلاف السنين لآلاف البشر. فبالقراءة يمتلك الإنسان طاقة مختزلة مركزة مليئة بالعلم. مختزلة في حجم إنسان اختزل حجم آلاف السنين في عمر إنسان واحد.