المرأة «وراء» كل عظيم؟ نعم .. فهي إلى جانبه!

TT

ردا على مقال الكاتبة زينب حفني في صفحة «رأي» يوم 3 فبراير (شباط) الحالي لي تعقيب لغوي ألخصه في الآتي:

الجملة الاولى في الفقرة الثالثة من المقال تقول: «يقولون ان وراء كل رجل عظيم امرأة ولا ادري لماذا خلفه وليس الى جانبه!!»... انتهت الجملة. وعندما قرأت الجملة التي اوردتها الكاتبة فهمتها انا بمعنى الى جانبه وليس خلفه.

ان معرفة المعاني والمقاصد في اللغة تؤدي الى تحديد الالفاظ والكلمات، فالمعاني تسبق الكلمات في العقول تصورا قبل ان تنطق باللسان ليفهم المستمع او القارئ ما يريده المتكلم او الكاتب. لا اريد هنا ان انتقد احدا او القي درسا، لكن اسمحوا لي ان اوضح دلالة اختيار الالفاظ:

1 ـ تعبر الكلمة عن مقصود صاحبها متكلما او كاتبا ويكون عارفا (بالمترادف) و(المشترك) و(المتضاد) بحيث ان يكون حريصا على ان يكون السياق الذي ترد فيه الكلمة كاشفا للدلالة المقصودة والمعنى المبتغى منها من دون لبس او غموض.

2 ـ المترادف هو دلالة مجموعة من الالفاظ على معنى واحد وظاهرة الترادف اللفظي كثيرة في اللغة العربية وهذه الكثرة تعد ميزة لها تفوق بها اللغات الأخرى، فمثلا السيف له اسماء كثيرة (الصارم، الحسام، المهند، الصمصامة... الخ) ومن اسماء الاسد (الليث، الهزبر، الضرغام، اسامة، الورد... الخ) وللعسل ثمانون اسما في كتاب «ترقيق الاسل لتصفية العسل».

3 ـ المشترك عكس المترادف وهو دلالة لفظ واحد على اكثر من معنى. فالعين تدل على (الباصرة، الجاسوس، عين الماء، كبير القوم).

4 ـ المتضاد هو دلالة اللفظ على المعنى وضده مثل الجون (ويشار به للأسود والابيض) والجلل (للصغير والعظيم) والصارخ (المستغيث والمغيث). وقال البلغاء (ان لكل كلمة مع صاحبتها مقاما)، والانشاء الجيد هو (القدرة على وضع الكلمة المناسبة في المكان المناسب).

وردت كلمة (وراء) ومشتقاتها (وراءهم ـ وراءها ـ ورائي ....) في القرآن الكريم 24 مرة تتفق وتختلف معانيها حسب مقاصد الآيات الكريمة. وابلغ التعابير التي نستدل بها على ما ذكرنا نجدها في القرآن الكريم تتفق مع المعنى الذي قصدته الكاتبة. ففي سورة الحجرات «إن الذين ينادونك من وراء الحجرات..». وفي سورة الشورى «وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب». وفي سورة الحشر «لا يقاتلونكم إلا في قرى محصنة أو من وراء جُدُرٍ...». وفي الآيات السابقة يتفق معنى كلمة (وراء بمعنى خلف) مع مقصد الكاتبة، ولكن ما رأي الكاتبة في معاني كلمة وراء او مشتقاتها في هذه الآيات الكريمة؟

سورة الكهف «وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا»، اي يترصد اصحاب السفن فيأخذها منهم. وفي سورة المعارج «فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون» اي غير ذلك. وفي سورة هود «وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها باسحاق ومن وراء اسحاق يعقوب»، اي من بعده. وفي سورة الانسان «ان هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا»، اي يتناسون. وفي سورة مريم «وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقراً...»، اي من بعدي. وفي سورة البقرة «وإذا قيل لهم آمنوا بما انزل الله قالوا نؤمن بما انزل علينا ويكفرون بما وراءه...»، اي بالذي يأتي بعده. من المؤكد ان الكاتبة اختزنت كل معاني كلمة (وراء ومشتقاتها) في معنى واحد وهو (خلف) بينما الآيات الكريمة المذكورة توضح معاني اكثر دقة. ولنا في كلامنا العادي استخدامات كثيرة. فمثلا اذا جاء شخص مهرولا نسأله «ماذا وراءك؟»، اي ماذا دهاك او ما الذي جعلك تفعل ما فعلت؟ وفي العامية نقول «انا وراك وراك»، اي سأظل في طلبي اتابعه الى ان يتحقق. كما يقولون «فلان وراء هذا الموضوع»، اي انه السبب في حدوثه.