استمرار الانتفاضة سيغير مع الوقت في التفكير الغربي كما حصل في جنوب أفريقيا

TT

* من نادية عادل حسن عبد العزيز ـ المستشارة القانونية بوزارة الصحة السعودية الجنرال ارييل شارون.. ابن المؤسسة العسكرية الاسرائىلية انتخب رئيسا لوزراء الدولة الاسرائيلية.. وهو غارق في دماء الضحايا من العرب ابتداء من مجزرة مزارع قبية 1953، وصبرا وشاتيلا سنة 1982، مرورا بمذبحة الاسرى المصريين غيلة وغدرا في حرب 1967 الى مذبحة المسجد الاقصى بالقدس الشريف.وعطفا على ما كتبته في رسالة سابقة حول سياسة شارون لي الاضافة التالية.

ليس مستبعدا ان يذهب شارون بعيدا في محاولة قمع انتفاضة الاقصى، فيلجأ الى اقتحام مناطق السلطة الفلسطينية، ويقوم بعمليات قتل وتصفية للمقاومة الفلسطينية على نطاق واسع تجبر فيه السلطة الفلسطينية على توقيع اتفاقية سلام مع اسرائيل، لكن السؤال الآن هل يجرؤ ارييل شارون على تكرار سيناريو احداث الغزو الاسرائيلي للبنان عام 1982 عندما دخل على رأس القوات الاسرائيلية بيروت تصحبه ترسانة حربية ضخمة من الدبابات والمدافع والطيران؟ فقد كان متصورا ان قواته العسكرية ستنجح في تنصيب بشير الجميل رئيسا للجمهورية ـ وهو ما نجح فيه فعلا ـ وتجعل لبنان يوقع على اتفاقية سلام مع اسرائيل، لكن خطأ شارون انه لم يعرف متى يقف، ولم يفهم حدود السلطة في بلد مثل لبنان. ففي 14 سبتمبر (ايلول) 1982 قتل بشير الجميل في انفجار ضخم بمقر حزب الكتائب، فقرر شارون اقتحام بيروت الغربية لطرد الفلسطينيين من لبنان والقضاء على مخيمي صبرا وشاتيلا مدعيا وقتها انه تلقى من جهاز الاستخبارات معلومات تؤكد وجود ارهابيين داخل هذين المخيمين، وأمر ميليشيات الكتائب بتنفيذ مذبحة صبرا وشاتيلا تحت اشراف وحماية الجيش الاسرائيلي بقيادته شخصيا، وهي ابشع جريمة حدثت في التاريخ الانساني. وكانت النتيجة ان شارون قاد بلاده نحو كارثة عانت منها اسرائيل كثيرا من خسائر بشرية ومادية ومعنوية على مدى عشرين عاما، اضطرتها في النهاية الى الهرب من الاراضي اللبنانية تحت ذل الهزيمة والعار، وكانت النتيجة الوحيدة لأعمال اسرائيل الوحشية في لبنان استمرار العنف في الشرق الاوسط وما يحمله من اخطار على السلام العالمي. ان اقتحام الاسرائيليين لأراضي السلطة الفلسطينية والقيام بعمليات تأديبية فيها ستكون مغامرة لها ثمنها الموجع لاسرائيل وستكون النهاية اعادة احداث الهزيمة المهينة لاسرائيل في لبنان ولكن هذه المرة ستكون على الارض الاسرائيلية، خصوصا ان حزب الله بعد ان حرر الجنوب اللبناني، يريد المشاركة في تحرير الاراضي الفلسطينية وكل المقدسات الاسلامية في القدس. منطقة الشرق الاوسط تموج بصراعات عنيفة، وهي تقترب كثيرا من حافة الحرب الشاملة وما تحمله من اخطار على السلام العالمي، وهو وضع يتعارض مع المصالح الاوروبية والاميركية، لما تمثله كمصدر مهم للطاقة. وفي اول تصريح لوزير الخارجية الاميركي في عهد الرئيس الجديد، اعلن الجنرال كولن باول: «ان قوة السلاح لن تحل المشكلة الفلسطينية الاسرائيلية» كما اعلن في الوقت نفسه عن تراجع الرئيس الاميركي بوش عن نقل السفارة الاسرائيلية فورا الى القدس.

وجود اسرائيل في المنطقة العربية يمثل جزءا من الاستراتيجية الغربية، وعندما يحدث تناقض في ما بينهم او يشعر الغرب بزيادة تكلفة وجودهم في الشرق العربي فسيتخلى عنهم، وهناك مثل واضح في ذلك وهو جنوب افريقيا ـ الحليف السابق لاسرائيل ـ والتي كانت مدعومة بشكل كامل من اوروبا واميركا، وقد ادى الصراع المسلح مع البيض العنصريين الى توقف هذا الدعم لها، وسهل الانتقال السلمي للسلطة وامساك اهل البلاد بزمامها. ومن هنا فإن انتفاضة القدس هي عمل فريد ومجيد في التاريخ الحديث وسوف تؤدي الى النتيجة نفسها التي حدثت في جنوب افريقيا وهي القضاء على الدولة الصهيونية العنصرية وارسال زعاماتها مع الفكر الذي يمثلونه الى ظلمات التاريخ. فسياسة التغرير والخداع الاسرائىلي لم تجلب للمواطنين اليهود إلا الخراب والشتات والموت في ظل عدم اطمئنان لا يمكن ان يزول إلا بعد ان يغيروا ما بأنفسهم.