السودان .. خيار الانتعاش أم اضطرار الانهيار!

TT

إشارة إلى مقال السر سيد أحمد، في عدد الأحد 21 يناير (كانون الثاني) الجاري، في جريدة «الشرق الأوسط» الغراء، تحت عنوان «السودان، مرة أخرى على مفترق طرق»، الذي تميّز بقراءة إجمالية لعديد من الهموم السودانية في إطار السياسة والاقتصاد. نبدي اتفاقنا أولا مع الكاتب في ما ذهب إليه في العديد من الفقرات التحليلية، التي انبنت على مؤشرات واقعية من تاريخ السودان السياسي المعاصر.

أما الافتراض الذي جاء في فاتحة المقال والمتعلق بنجاح نظام الإنقاذ الحالي في عكس اتجاه الوضع الاقتصادي، بمعنى أن التدهور قد توقف ليبدأ النهوض، فلا نعتقد بصحته، على الرغم من تعديد مرتكزات هذا النجاح، التي تمثّلت في استعادة العلاقة مع صندوق النقد الدولي وتنفيذ برنامج التحرير الاقتصادي الضخم، والصدقية الائتمانية لنظام الإنقاذ، بالإضافة إلى بدء تصدير النفط.

فالنهوض الاقتصادي، لا يمكن أن تكون له قيمة إلا من خلال التصاقه بحال المواطن وانعكاس تأثيره إيجابا على مجموع الشعب، غير أن تلك المرتكزات لم يلحظ لها أي تأثير على البلد بطوله وعرضه، وبالتالي فهي ـ إن صدقت ـ لا تعدو أن تكون في أحسن حالاتها مجرد مظاهر إيجابية تسهم في تبييض صحيفة نظام الإنقاذ تجاه المؤسسات الدولية المانحة للقروض، وطعمة لطالبي الاستثمار في السودان. عليه، لا يمكن أن تعتبر هذه العوامل دليلا بأي حال على تعافي الاقتصاد السوداني وانطلاقته نحو النمو والاطراد بعد توقّف دام ما يقارب ربع قرن من الزمان، وحتى إن سلّمنا بصحة هذه المؤشرات، فأين نحن إذن من الناتج القومي والدخل الكلي الإجمالي؟ وتحسن متوسط الدخول؟ وأين هي المعقولية في ثبات سعر الصرف للعملة الوطنية؟ وكيف هو مستوى القوة الشرائية عند الأفراد، ناهيك عن رفع المعاناة ـ أو إزالتها إن شئت ـ عن كاهل المواطنين! وهل يمكن للمؤمّل والمتأمل في أحوال اقتصاديات أهل الإنقاذ، أن يفلت من هذه الرسوم والضرائب والعوائد التي تملي على الناس بكرة وعشيا؟ أم أنه سيغض الطرف عن الارتفاع المتواصل في أسعار السلع الاستراتيجية والخدمات بالتزامن مع انهيار هذه الخدمات نفسها، التي لا تزال تضطلع بها بعض قطاعات الدولة التي لم تتناولها بعد معاول التحرير الاقتصادي المشبوه.

إن استعادة العلاقة مع صندوق النقد الدولي، هدف سعت له حكومة الإنقاذ طيلة العقد الماضي، وبذلت في سبيل ذلك الغالي والأغلي، مع إغراقها في شعارات الاعتماد على الذات والإيعاز بقدرتها على حل مشاكل البلد.

لا ريب في أن توفر احتياطي من النقد الأجنبي بيد الحكومة، كذلك تحقيق فائض في الميزان التجاري، يمثلان ـ إن لم يكونا على حساب ضرورات أخرى ـ أبلغ مظاهر العافية الاقتصادية، ويدفعان في اتجاه تحسّن مقدرة الحكومة في إنزال برامجها الاقتصادية، وتحسين قدرتها أيضا في مواجهة الأزمات الاقتصادية وسد الفجوات التي تظهر هنا وهناك. غير أن الحكومة الحالية تخوض غمار الحياة من دون مرجعية تذكر. ويبقى أخيرا، المرتكز القائم على بداية تصدير النفط السوداني، وحسن الطالع بمعاونته لارتفاع أسعار النفط عالميا، وهي من محاسن الصدف التي تأتي من دون قصد من نظام سياسي. وقد تذهب كما أتت، ليبقى في النهاية التحدي الكبير بالنسبة للحكومة السودانية وإمكانية نجاحها في ترشيد وتوجيه دخولها من البترودولار وغيره من المدخولات، في سبيل استئصال جذور الفقر العام وطرد شبح المجاعة التي لا يمكن مواجهتها بالإنكار كما يفعل النافذ الأول في حكومة الجبهة الإسلامية القوية بالسودان.