لعنة الكونغو التي لحقت الجميع.. الطيران والتماسيح والإيدز

TT

عطفا على ما كتبته حول موت لوران كابيلا، رئيس جمهورية الكونغو، وهو على متن الطائرة وكيف ان معظم رؤساء الكونغو قد لقوا حتفهم في ظروف مريبة غامضة ونشرته «الشرق الاوسط» في عددها 8120 لي الاضافة التالية.

نعود إلى تاريخ الاحداث الكونغولية، حيث تقول كتب التاريخ إن مويس تشومبي، الذي كان قد نصّب نفسه رئيسا لإقليم كاتنغا في ذلك الوقت، وأعلنها دولة منفصلة حكمها تحت حماية القوات البلجيكية، التي أمدته بكل مقومات السلطة، قد اضطر للفرار من هذه (الدويلة) متوجها إلى أوروبا على متن طائرة خاصة أمنتها له الحكومة البلجيكية، وذلك بعد أن تأكد له تماما أن قوات الأمم المتحدة دخلت فعلا إلى كاتنغا ووضعت حدا لهذا الانفصال عن الوطن الأم.

وهنا يتدخل القدر كعادته، فيتم اختطاف الطائرة التي هو عليها، حيث انزلت قسرا في الجزائر وتم احتجازه، وهناك في سجن العاصمة بقي زمنا طويلا حتى فاجأته نوبة قلبية أودت بحياته في 2 مايو (أيار) 1969. وندخل بصورة أعمق في تاريخ الكونغو، فنقول إن موبوتو، الذي حكم البلاد حكماً دموياً طوال 30 سنة، جاءت نهايته ايضا في غاية الدراما وتمت بصورة سابقيه نفسها من الحكام، وإن اختلفت قليلا. فقد آلت السلطة للرئيس الجديد كابيلا عن طريق القوة وبأسلوب الغزو من الريف (على طريقة ماو تسي تونغ)، لكنه اعطى موبوتو الأمان في الرحيل من زائير هو وعائلته إلى فرنسا مراعياً ظروف مرضه، حيث كان يعاني من السرطان الذي منعه من السير والوقوف طويلا. وتسهيلا لسفرهم منحهم طائرة خاصة لهذا الغرض، لكنهم وما ان حلّقوا بها فوق السماء بعيدا عن زائير، إلا وانتابت موبوتو نوبات الألم الحادة، فاضطروا لتحويل مسار الطائرة للمملكة المغربية، وهناك لم ينفع معه أي نوع من العلاج، فمات في أحد مستشفياتها ودفن بها منبوذا بلا أهل ولا وطن، ولم تسعفه ملايينه ولا انقذه اسمه الذكوري سيسي سيكو (الديك الفحل). وأكملت الأسرة رحلتها على الطائرة نفسها مودعة الكونغو، وافريقيا إلى الأبد.

وليت مواضيع الطائرات وقصصها مع الكونغو وقفت عند هذا الحد، فبعد رحيل موبوتو قامت السلطات الحاكمة في زائير بفتح ملفات التصفيات الجسدية التي تمت في عهده، فاتضح أنه كان يستخدم جنودا مرتزقة يتولون عمليات التصفية للمعارضين لحكمه من سياسيين وجنرالات ومعلمين وطلاب، ولمعاونيه الذين كان يشك في ولائهم (بلغ عددهم 27 ألف معارض). وقد وقعت مهمة التخلص من جثثهم على عاتق الطيارين المرتزقة، الذين كانوا دوما يقومون بطلعات جوية ليلية مقرونة بالسرية التامة، حيث يلقونها فوق نهر الكونغو المليء بالتماسيح. بل اتضح ان سلاح الطيران الزائيري بأكمله، كان يخضع لضباط أجانب يتقاضون رواتبهم من القصر مباشرة. وقبل أن نختم اسماء الشخصيات التي لقيت حتفها في الكونغو، لا بد أن نذكر ان الكاتب البلجيكي لودود فين كان قد اصدر كتابا أعده عن لوممبا ويحمل الكتاب اسم اغتيال لوممبا، وسبق لسمير عطا الله ان قدم عنه تحليلا من قبل، حيث قال «.. فالقوات الدولية في الكونغو هي التي «سلمته» عمليا إلى خاطفيه وهي التي شاهدت كيف يعذب ولم تتدخل، وعندما وصل به الخاطفون إلى منطقة واقعة تحت سلطة القوات المغربية اعترضت هذه على معاملته، لكن يوم قتله نقل في الخامسة والنصف قبل الفجر قبل أن يستيقظ الجنود المغاربة الذين كانوا محبذين للوممبا، وساعة وصول طائرته إلى المكان، كان قائد مركز القوات الدولية يراقب بالمنظار المكبر، لكن النيوزيلندي ايان برسنتن رأى أنه من الأنسب عدم التدخل، وبعدها تم تسليم لوممبا إلى موبوتو وجماعته الذين قتلوه بعد تعذيب ثم تم تقطيع جسده بالمنشار إلى جزئيات صغيرة سهلت في ما بعد عليهم تذويبها في حامض الكبريتيك امعانا في التخلص نهائيا من شيء اسمه لوممبا».

هذه هي الكونغو التي تأكل الأحداث الأليمة قادتها، ويلعب الطيران أدواراً خفية، وتلتهم التماسيح المعارضة، ويفتك أخيرا الايدز بالشعب، وفوق كل هذا تهيم في الأجواء لعنة لوممبا التي وصلت حتى إلى أميركا.