التلوث البيئي وبرج أنان العاجي

TT

على عكس رجاء كوفي أنان الأمين العام للأمم المتحدة في مقاله المنشور في «الشرق الأوسط» بتاريخ 2001/3/18، من الدول المتقدمة صناعياً، أن تقوم باتخاذ خطوات فاعلة في سبيل خفض استهلاكها من الطاقة، وبالتالي تقليل الأثر التسخيني للغازات المنبعثة من استخدام مصانعها للطاقة على مناخ الأرض، فإن هذه الدول تبدو غير جادة، ذلك لعدة أسباب.

أولها، ان خفض استهلاك الطاقة يعني بالضرورة تحجيم معدلات النمو الاقتصادي في تلك الدول مما يضر بالشركات الكبرى، والتي تسيّر حكومات تلك الدول فعلياً.

السبب الثاني، ان الدول النامية، خاصة دول جنوب شرق آسيا وأميركا اللاتينية، لن تقوم بأي حال بخفض استهلاكها من الطاقة، حتى لا تضر بمعدلات نموها التي هي في أمس الحاجة إليها لتلبي احتياجات شعوبها وتلحق بتطور الدول المتقدمة.

السبب الثالث، انه لم تتمكن الدول الصناعية من إنتاج بديل نظيف ورخيص للطاقة، سواء باستخدام الطاقة الشمسية أو غيرها، بحيث يمكن الاستغناء ولو جزئيا عن الطاقة الحالية التي تلوث البيئة.

أما السبب الرابع، والأكثر إثارة للجدل، فهو ان الدول المتقدمة صناعيا تقع في المناطق الباردة، وأي زيادة في معدلات حرارة الارض لن تضرها، بل العكس تخفض من استهلاكها للطاقة في التدفئة، اضافة إلى أن هذه الزيادة الحرارية ستؤدي إلى ذوبان جليد القطبين مما يسهل عليها زيادة حجم المناطق المزروعة كالبراري الكندية أو المناطق الجليدية الروسية وغيرها من المناطق المماثلة في القارة الأوروبية.

لذلك فإن الكوارث الطبيعية من فيضانات وزلازل وأمطار الناتجة عن ارتفاع درجة الحرارة ستكون أكثر دماراً في العالم الثالث، مما يزيد من حجم معاناتها، ويدخلها في دوامة الحاجة إلى الدول الكبرى، وتظل تراوح مكانها كمصدر فقط للمواد الخام التي تحتاجها مصانع الدول الكبرى بأسعار رخيصة.

لكل هذه الأسباب فإن رجاء كوفي انان لن يجد آذاناً صاغية من جانب تلك الدول الكبرى المتقدمة صناعياً، وهو يعرف هذا تماماً، وان لم يكن يعرف فهو يعيش في برج عاجي.