روجيه جارودي.. لماذا هذا الظلم؟

TT

كنت اتمنى الا تشارك «الشرق الأوسط» في معزوفة مؤتمر «انكار الهولوكوست» ـ والعياذ بالله ـ الذي رفضت بيروت استقباله. ولقد لاحظت انها غير متحمسة للعزف مع جوقة الهولوكوستيين العرب المستجدين، الذين اسعدهم حصول مقرهم العام وقاعدة انطلاقهم، على شهادة حسن سلوك من «مختار» جريدة «هآرتس» في افتتاحيتها الصادرة صباح العشرين من مارس (آذار) الجاري.

ولكن تساؤل راجح الخوري عن فوائد النوم بين قبور اليهود («الشرق الأوسط» 25/3/2001) خيب املي. ومع ذلك فلن ادخل في سجال مع ما ذهب اليه كاتب المقال لأن الامر يطول، ويكفينا ذعر وسائل الاعلام العربية من الاقتراب بسوء من السيرة الهولوكوستية العطرة، لكن لا بد من رفع الظلم الذي انزله الخوري بروجيه جارودي اولا ثم بمدرسة المراجعة التاريخية. واقصر رسالتي اليوم على المفكر الفرنسي المظلوم حقا.

كتب الخوري ما نصه: «ان بعض الكتاب والمؤرخين الاوروبيين الذين سيشاركون في المؤتمر، ينكرون صراحة وبينهم مثلا روجيه جارودي مؤلف كتاب «اساطير اسرائيل الحديثة»، الذي كذب حصول الهولوكوست كما هو معروف وغرمته المحكمة الفرنسية مبلغ اربعين ألف دولار...» الى آخره.

يخطئ الخوري اولا في عنوان كتاب جارودي. والعنوان الصحيح بالفرنسية: «الاساطير المؤسسة للسياسة الاسرائيلية». وهو اختيار دقيق يعبر عن محتويات الكتاب واهدافه. وموضوعه نقد سياسة اسرائيل الراهنة التي تعتمد، بين ما تعتمد عليه، على الاساطير المصنوعة بعناية والمسوقة بعناية اكثر.

كنت واحدا ممن نقلوا كتاب جارودي الى العربية، ولما قرأت اتهام الخوري لهذا المفكر النزيه، رجعت الى النص الفرنسي لأقرأ الفصل الوحيد عن الهولوكوست للمرة الرابعة ان لم تكن اكثر. ويهمني ان يعرف قراء «الشرق الأوسط» قبل كاتب المقال، ان هذا الكتاب الواقع في نحو مائتين وسبعين صفحة، تضمن فصلا قصيرا اقل من عشرين صفحة، عالج فيها جارودي مسألة الهولوكوست، بكل موضوعية ونزاهة. وهذه الصفحات امامي الآن، وهي لا تتضمن «تكذيب حدوث المحرقة كما هو معروف» اذا اعتمدنا قول الخوري. ولست اريد الدخول في جدل لا فائدة منه. ولو ان المجال يتسع لاقترحت على «الشرق الأوسط» ان تعيد نشر ترجمتي «الحرفية» لهذا الفصل الهولوكوستي القصير والبليغ، اقدمها «مجانا» لا ليقرأها الخوري، بل خدمة لقراء الجريدة، وليكونوا حكاما بأنفسهم، من دون المرور بعقول الهولوكوستيين العرب المستجدين.

ذات يوم كلف عاصي ومنصور الرحباني مختار «بياع الخواتم» باختراع شخصية «راجح» لارهاب الضيعة، وينجح الاختراع مؤقتا، وسرعان ما سقط ارهاب راجح. وكل ما ارجوه من راجح الخوري، وليسمح لي بهذه الدعابة، الا يحمل شخصية المفكر الفرنسي العجوز النزيه فعلا، ما لا تتحمل. فكل ما فعله جارودي انه كتب ما كان ينبغي لكبار مثقفينا واعلاميينا كتابته، من دون ان يسئ الى الحقيقة والموضوعية رغم نسبيتهما.