هل الأندلس خالية من العروبة والإسلام؟

TT

ردا على رسالة عياد بن عبد الله الغزي بعنوان «قراءة في المقولات المغلوطة حول الاندلس».

اشكر عياد بن عبد الله الغزي على تكرمه بالرد على رسالتي التي اردت ان اظهر فيها ضرورة التقارب مع المجتمعات المسيحية في اوروبا في هذه الايام. وكنت قد ضربت امثلة على ما يحدث في هذا المجال داخل مجتمعنا العربي في لندن. وانا ارى ان الفرق بين نظرته الى الامور ونظرتي يرجع الى اننا نحن هنا نعيش في مجتمع غير اسلامي ولهذا من الضروري ان نتعايش مع هذه الحقيقة دون ان نتنازل طبعا عن مبادئنا وعقائدنا الاساسية.

اما من حيث تعليقه على الامثلة التي ضربتها في هذا الخصوص فأبدأ بالتعليق على موضوع الفتح الاسلامي للاندلس.

لا شك ان الفاتح المسلم كان اكرم الفاتحين في التاريخ على الاطلاق. ولكن الفتح الاسلامي للاندلس لاقى مقاومة عنيفة من الاسبان طيلة مدة بقائه الطويل هناك. وانتجت المقاومة الاولى سقوط اولى الحاضرات الاسلامية في الاندلس وهي مدينة طليطلة من المؤتمن بن ذي النون وعلى يد الفونسو الخامس وذلك في سنة 1085 ميلادية. وكانت (توليدو) التي سماها العرب (طليطلة) هي عاصمة البلاد الاسبانية قبل دخول العرب الى الاندلس. الامر الذي جعل من استعادة الاسبان لها نقطة تحول رئيسية في الميزان العسكري والعاطفي آنذاك واحس المسلمون منذ ذلك الحين بان بقاءهم اصبح مهددا بالزوال وانه مرهون فقط بالزمن. وفي هذا يقول الشاعر ابن العسال وهو عبد الله فرج اليحصبي وكان معاصرا لذلك الحادث:

حثوا مطيكم يا أهل اندلس فليس البقاء هنا إلا من الغلط الثوب ينسل من اطرافه وأرى ثوب الجزيرة منسولا من الوسط وعندما سقطت بلنسية قال في ذلك الشاعر ابن خفاجة:

عاثت بساحتك العدى يا دار ومحا محاسنك البلى والنار فاذا تأمل في جنابك خاطر طال اعتبار فيك واستعبار ارض تقاذفت الخطوب بأهلها وتمخطت بخرابها الاقدار كتبت يد الحدثان في عرصاتها لا انت انت ولا الديار ديار وجرت بعد ذلك معارك عديدة بين الاسبان والمسلمين من اهمها معركة الزلاقة في اكتوبر (تشرين الاول) عام 1086 ميلادية. ويقول المقري في كتابه «نفح الطيب عن فرع الاندلس الرطيب» ان المسلمين الذين انتصروا فيها بتأييد كبير من امير المسلمين يوسف بن تاشفين ملك المغرب المرابطي آنذاك وقف مؤذنا على كومة عالية مصنوعة من رؤس قتلى الاسبان ونادى من فوقها للصلاة.

ويشتهر الادب الاندلسي عن باقي الاداب العربية برثاء المدن. فلدينا مرثيات للعديد من مدن الاندلس التي كانت تسقط تباعا في يد الاسبان الى ان يقول الشريف الرندي في مرثيته الشهيرة للاندلس:

حتى المساجد تبكي وهي خالية حتى المنابر تبكي وهي عيدان على ديار من الاسلام خالية قد اقفرت ولها بالكفر عمران وهكذا بعد سبعة قرون ونصف قرن من الحكم الاسلامي للاندلس نرى البلاد الان خالية تماما من العروبة والاسلام. أليست هذه الحقيقة بحد ذاتها اثبات ان وجود المسلمين في اسبانيا لم يكن بدون مقاومة كبيرة داخلية ضده.

ولنعرج في الحديث الان على القسطنطينية لنقول ان الامويين حاولوا فتحها ثلاث مرات، اولها كانت ايام معاوية بن ابي سفيان عام 49 هجرية ـ 669 ميلادية فقد ارسل معاوية ابنه وولي عهده يزيد على رأس هذه الحملة البحرية ولكن الحملة لم تنجح. وحاول الامويون اقتحام القسطنطينية مرة اخرى اثناء الحرب المعروفة بحرب السنين السبع من (54 ـ 60 هجرية) (674 ـ 680م)، ولكنهم نجحوا فقط في احتلال رودس وكريت. وكانت المرة الثالثة ايام سليمان بن عبد الملك في سنة 715 ميلادية الذي حسب انه هو المقصود من الحديث الشريف الذي يقول ان خليفة يحمل اسم نبي سيفتح القسطنطينية. وكان على رأس الجيش مسلمة بن عبد الملك اخو سليمان. ولكن لم يتم فتح القسطنطينية الا بعد سبعة قرون.

لهذا لا يمكن القول ان الغاية من فتح القسطنطينية كانت لمنع حركة الحملات الصليبية التي جاءت بعد ذلك بمدة طويلة.

اما من جهة تلاوة بعض الادعية الاسلامية اثناء الصلاة على جثمان رجل مسيحي فلم يكن المقصود منها اقامة صلاة الجنازة عليه بل كانت مجرد تلاوة لادعية عامة تلتقي فيها عواطف الجميع ويتفق عليها كافة المؤمنين بالله مثل دعاء القنوط مثلا. وكانت الغاية اظهار شخصية المسيحي العربي للانجليز بانه في حقيقته ورغم ديانته المسيحية الا انه قوميا وعاطفيا ينتمي الى الحضارة الاسلامية والى المجتمع الاسلامي.

هذا وانا ارى ان السيد عياد حفظه الله لو كان يعيش معنا في لندن لرأى بوضوح ومن نفسه ان في تصرفنا اجتهادا لا يخلو من تعقل وان للمجتهد كما يعلم اجرا حتى وان اخطأ.