مسكين من لم يقرأ ما بين الأقواس

TT

يتفنن محترفو السياسة في الإدلاء بالتصريحات التي تتسم بالدبلوماسية العالية، واللياقة الجمة بالشكل الذي يرضون به جميع الأطراف وفي ذات الوقت لا تحسب عليهم وايضا تكون هذه التصريحات بمثابة المخدر الأكيد والقوي المفعول الذي يقعد الواقف ويهدئ الثائر ويروض الوحش الكاسر.

اما إذا ما أردنا تعرية التصريحات والبيانات من التورية واللياقة، وكشف الجزء المخفي من الجمل السياسية اللطيفة فنستطيع إذاعة البيانات على النحو. وقد دعا ممثل الخارجية الأميركية جميع الأطراف إلى التحلي بالهدوء وضبط النفس، ذلك حتى يتمكن الإسرائيليون من التركيز على عملية التصفية الجسدية لرموز المقاومة الفلسطينية سواء حماس أو الجهاد أو حتى عناصر السلطة الفلسطينية من دون ازعاج.

وقد أجمع الرأي على ضرورة تضافر الجهود لدفع عملية السلام للأمام، لأن الدبابات الإسرائيلية قادمة من الخلف لسحق السلام ومن يدفعونه للأمام، فتعثر عملية السلام يعجل بالمجزرة، فلا يهم إلى أين نذهب بالسلام المهم أن ندفعه للأمام. وبما أن الأرض كروية فسنظل ندفع للأمام حتى ندور دورة كاملة حول الأرض، ثم نعاود الدفع للأمام المهم لا تتوقف المسيرة.

كما أعلن أحد الساسة ان اسرائيل لم ترد حتى الآن على المبادرة المصرية الأردنية لحل النزاع الدائر حاليا، ولن ترد في الوقت الحالي، حتى تفرغ تماما من القتل والتشريد المستهدف من شعب فلسطين لما لذلك من أولوية قصوى، وبعد أيام أو أسابيع ستعلن ان المبادرة هزيلة كهزال من قدمها ولا تستحق سوى سلة المهملات.

كما تم اصدار أوامر لقوات الأمن الوقائي بعدم إلقاء قذائف الكاتيوشا على المستوطنات اليهودية بفلسطين، لأنهم ضيوف وإكرام الضيف واجب، ثم ان الاعتداء عليهم يجعلهم أكثر ضراوة، ولا داعي لأن نبدو في نظر العالم معتدين وارهابيين وإن كانوا ذبحوا زملاءكم في الأمن الوقائي وقتلوا بعض الأطفال والنساء والشباب فمنهم لله، والمسامح كريم، ودعونا نعيش ما تبقى لنا من أيام في سلام.

وقد أعلن طاقم المحققين في قضية تحطم طائرة مصر للطيران قبالة الساحل الأميركي، ان قائد الطائرة يتحمل المسؤولية كاملة لأنه حرك ذراع عجلة القيادة إلى الأمام، وبما أن الطيار توفي، وبما أنه لم يحرك الذراع لا إلى الأمام ولا إلى الخلف، لأن الصاروخ الذي أطلق على الطائرة لم يعط الفرصة لأي نفر على الطائرة للنطق بالشهادتين، وبما ان شعب مصر عاطفي وطيب وابن حلال، فلن يعترض أحد على هذا الحكم السخيف الساذج.

وقد يأتي يوم ألا يمانع العرب في انضمام إسرائيل لجامعة الدول العربية، حيث لن يكلفنا الأمر سوى تقديم وتأخير حروف لتصبح جامعة الدول العبرية، فمن واجب الكرم أن نتعلم وقتها جميعا العبرية بدلا من أن نرهق اليهود في تعلم العربية، كما نرشح شارون أمينا عاما للجامعة لفرط أمانته وعموم بلوته على خلق الله، وايضا كنوع من التجديد يذهب إلى القمة رئيس الكونغو بدلا من رئيس مصر، ورئيس بيرو بدلا من رئيس الجزائر، وزعيم قبائل الزولو بدلا من الرئيس اللبناني، حتى نثبت للجميع اننا منفتحون على العالم اجمع ولا عنصرية لدينا.

وبهذه الطريقة، يتم تهذيب التصريحات والبيانات حتى تستقبلها الشعوب، بل وتصفق لقائلها لأنها شعوب مسكينة لم تقرأ ما بين الأقواس.