رغم مرور نصف قرن على استغلال السودان فما زال ساسته يتخبطون في حكمه

TT

قرأت في جريدة «الشرق الأوسط» العدد 8134 تحت عنوان «الخلافات في السودان الى متى.. والى أين؟» للكاتب احمد حمروش. وقد جاءت كلماته المتسائلة صادقة بأمنياته حتى يسود الوئام والسلام ربوع السودان. كما كانت كلماته متناغمة مع رتم الأحداث الجارية في السودان مما اشعرني بالسعادة لمشاركة أشقائنا العرب لنا همومنا في نفس الوقت الذي شعرت فيه بالألم والخجل لأننا نحن السودانيين لم نوفق رغم مضي 46 عاما على استقلالنا في ايجاد صيغة مثلى لحكم السودان، مما كان مثاراً لحيرتنا وحيرة اشقائنا معنا كما جاء في مقال الكاتب أن مشاكل السودان الداخلية اصبحت تنفرد عن سائر الدول العربية بفرض وقائعها على الساحة الدولية والعربية وان السودانيين لا يجنحون للهدوء منذ انقلاب 1989 الذي يعتبر آخر انقلاب عربي. كما ذكر الكاتب ان استراتيجية الحركة الشعبية لتحرير السودان وأفكارها التي لم تتراجع عن مطالبتها بوحدة وطنية ديمقراطية تتوفر فيها العبادة وحقوق الانسان.. وعليه اعقب على ما جاء بالآتي:

بالنظر الفاحص الى خريطة السودان الزمنية قبل وبعد الاستقلال (1956) نجد ان التمرد قد بدأ فعلاً في عام 1947 عندما بدأت القوى السياسية السودانية تناضل طلباً للاستقلال او الاستقلال عن طريق اعلان الوحدة مع مصر. وتزامن ذلك مع تحركات بعض مثقفي الجنوب السوداني الذين أعدتهم الكنيسة مسبقاً والمدعومين من قبل المستعمر البريطاني والذين اعتنقوا المسيحية نتيجة التبشير الكنسي مطالبين بانفصال جنوب السودان عن شماله حيث سبقت ذلك بعض الاجراءات الاستعمارية مثل حظر تعليم اللغة العربية والدين الاسلامي في مدارس الجنوب، كما منع عبور ابناء الشمال الى الجنوب الا بتصريح ووثائق.. كل ذلك كان امعاناً في تفريق السودانيين عرقياً وثقافياً.. ومنذ ذلك التاريخ ما زالت بعض الدول تقدم الدعم للمتمردين في اتجاه الانفصال بايعاز من الكنيسة حينما قامت ثورة اسلامية الاتجاه بانقلاب 1989. وكان ذلك سبباً لاقحام الدين بصورة مباشرة في اجندة المتمردين استدراراً لمزيد من دعم الدول الداعمة لهم أصلاً، ومما جعل الكنيسة تتحرك بارسال البارونة كوكس الناشطة الكنسية المعروفة وصاحبة سيناريو تجارة الرقيق في حق مواطني الجنوب السوداني من قبل ابناء الشمال السوداني مدعومين من الحكومة السودانية مما أثار حفيظة لجان حقوق الانسان التي ما لبثت ان خبت ثورتها لعجزها عن تقديم ولو دليل واحد يثبت للمجتمع الدولي صحة ممارسة تجارة الرقيق. وبالتالي فان حركة التمرد هي حركة انفصالية تدعمها دول غربية بايعاز من الكنيسة وتدعمها اسرائيل كذلك ليس حباً في المسيحية او الديمقراطية وانما تهديداً لمنابع النيل وقلقلة مصر والسودان معاً. ولو كانت حركة التمرد جادة في ما تعلنه لكانت فرصة اتفاقها مع حكومة السيد الصادق المهدي الديمقراطية الأقرب لأهدافها ومطالبها، ولكن الأمر اكثر من مجرد المطالبة بالديمقراطية وحرية العبادة.

اما خلافات الأحزاب السياسية السودانية مع بعضها البعض ومع نفسها، فهذا امر تتحكم فيه طائفية وقبلية ضاربة في التاريخ، وحتى نحن السودانيين فضلاً عن اشقائنا العرب صرنا في حيرة من سرعة تلون الأحزاب بما يشبه المعادلة الحسابية ذات الحدود الموجبة والسالبة السريعة التحول من الايجابية الى السلبية، مما جعلها ألغازاً وطلاسم يستعصي التعامل معها ومما أفقد هذه الأحزاب ثقة الشعوب السوداني التي لم تأبه به هذه الأحزاب وجنحت للانشقاقات والصراعات المسلحة، وما يدور من وراء الكواليس في جنيف وأسمرة وكمبالا لا تخطئه فطنة الانسان السوداني البسيط وما زال يتوقع المزيد والمزيد.. ولكن الى متى؟

لم يتبق أمام الأحزاب السودانية سوى نهاية موفقة لوضعهم المتردي الذي يندى له الجبين خجلاً. وما هذه الصراعات الا حقبة فاصلة سينفجر بعدها سياسيون سودانيون قادرون ومدركون كيف سيحكمون أنفسهم ويحمون وحدة السودان. وان اصوات الشعب السوداني لن تذهب إلا الى من يستحقها ولن تكون مطية سهلة لهؤلاء المتسابقين الى السلطة. وان أفكاراً جديدة ومفاهيم حديثة أخذت طريقها الى عقول السودانيين، فهل أدرك ذلك قادة الأحزاب؟