الصهيونية تتطلع الى أبعد من الفرات الى النيل .. حتى لا يقول العرب «أُكلت يوم أكل الثور الأبيض»

TT

في زحمة الاحداث المتلاحقة وفي خضم هذا الصراع الدامي الذي يدور الآن على ارض القداسات المغتصبة، في عقر دار الأمتين العربية والإسلامية، الذي يواجه فيه الفلسطينيون العُزّل وحدهم أخبث آلة عسكرية إسرائيلية ـ أميركية، وفي ظل حصار خانق أدى إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتدمير البنية التحتية وما يجري من محاولات لتحطيم الشخصية الفلسطينية، وما يعتمل في صدور الفلسطينيين من مشاعر الأسى والمرارة والاحباط على ما يواجهونه من خذلان من جانب الأهل والأشقاء الذين كان من المتوقع أن يكون لهم دور أكثر إيجابية وأكثر فاعلية في هذا الصراع، لكن وعلى الرغم من هذا وذاك، فإن الشعب الفلسطيني المجاهد مستمر في قصة عطائه وتضحياته في تسجيل البطولات النادرة في ساحات الشهادة والشرف، محتفظا بقدرة عالية جدا على الصبر والتحمل مؤمنا بالله عز وجل وواثقاً بتحقيق النصر على أعداء الله متمسكاً بوحدته الوطنية ولحمة أبنائه.

على الرغم من الاختلافات في وجهات النظر، ورغم أنه يواجه مجرم الإنسانية الأول، الذي كان ولا يزال يراهن على إيقاع الفتن بين الفلسطينيين وتعميق الخلافات وتلغيم الجسور في ما بينهم ليفتك بعضهم ببعض، حتى يتفرج على المذابح مثلما حصل مع الأسف في كثير من بلاد المسلمين وبلاد العالم، فقد سقط هذا الرهان. ان هذا لعمري من المآثر التي تحسب للفلسطينيين.. أما في ما يتعلق بما يدور في الأجواء السياسية من آراء وتعليقات واستفتاءات سواء كان ذلك بين الناس على اختلاف توجهاتهم أو في الندوات التي تعقد عبر الفضائيات.. فإن جميع الآراء تنصب على دور أميركا المعادي لكل ما هو عربي ومسلم في ما حصل ويحصل.

ولا اعتقد ان أحداً يخالف هذه الحقيقة الماثلة للعيان، لكن الجميع نراهم يبحثون عن السبل التي يمكن من خلالها علاج هذا المرض بشيء من الحكمة والموضوعية. فإن من يشخص الداء، عليه أيضا ان يصف الدواء، فلا داء من دون دواء، وبمقتضى هذا المضمون فإن الأمة التي تظهر الآن بمظهر العجز، قادرة، بما حباها الله عز وجل من طاقات وإمكانات، على أن تعالج قضاياها بما يحقق لها النصر على أميركا وعلى فلذة كبدها إسرائيل، فميادين الصراع لا تقتصر فقط على الخيار العسكري، الذي تم استبعاده كلياً في هذه المعركة مع الأسف، واستبداله خيار الهوان به كخيار استراتيجي لهذه الأمة في حربها مع أعداء الله. ومع ذلك فهناك اساليب متعددة اخرى نتمنى لو تستخدم بصدق وفاعلية وهي في النواحي الاقتصادية والإعلامية والصحية والحرب النفسية وغيرها وكلها اساليب فعالة ومؤثرة إذا ما تم استخدامها بحكمة وبصدق، خاصة اننا ما زلنا نسمع بين الحين والآخر التهديدات المتكررة من قادة اسرائيل ومن حاخاماتها بالدعوات والتحريض على قتل العرب وطردهم باعتبارهم حشرات وأفاعي سامة، وما التهديدات الأخيرة بضرب السد العالي وإيران وسورية والمفاعل النووي في باكستان، وما ضرب الرادار السوري في لبنان عنا ببعيد.

فلا أقل إذاً من تدعيم الانتفاضة الفلسطينية وتقويتها لأنها تعتبر بحق خط الدفاع الأول عن الأمتين العربية والإسلامية في وجه المطامع الإسرائيلية التي تعتمد استراتيجية المراحل في تحقيق اهدافها وتوسعاتها على حساب العرب والمسلمين، فمطامع اسرائيل لا تقتصر فقط على الفرات والنيل، لكنها تتطلع إلى أكثر من ذلك بكثير، حيث يرى حاخامات التلمود منذ العصور القديمة ان ارض اسرائيل تتجاوز ذلك بكثير لتصل الى مدرسة الأقصويين، أي الى ابتلاع الكويت وتركيا حتى تبلغ بعض جزر البحر المتوسط، مثل صقليا وسردينيا، وهو ما ذكره صراحة رئيس الرابطة اليهودية لحقوق الإنسان «إسرائيل شاحاك» حول فكرة النقل «الترانسفير» في العقيدة الصهيونية.

لذا فإن أحدا لا يتصور نفسه انه في منأى عن هذا الخطر أو انه شأن يخص الفلسطينيين وحدهم أو أنه يخص بعض العرب دون غيرهم. وعليه ارجو ان يدرك العرب والمسلمون حقيقة هذا الخطر قبل فوات الأوان حتى لا يقولوا «أُكلت يوم أكل الثور الأبيض».