لا نريد للسودان أن يكون في قائمة الدول الإرهابية

TT

اصدرت الخارجية الاميركية تقريرها السنوي المعتاد في ما يخص الارهاب والدول الراعية له، ولربما كانت تتوقع الحكومة السودانية ان يحذف اسمها من تلك القائمة ربما فقط لأن الجمهوريين يسيطرون على اركان السلطة في واشنطن وان ثمة لهجة مخففة غلفت احاديث المسؤولين الاميركيين بخصوص الانقاذ، غير ان تلك اللهجة لم تتعد في مجملها كلمات قصد بها النأي بقدر ما امكن عن سياسات الديمقراطيين السابقة وزيرة خارجيتهم مادلين اولبرايت التي ظلت تقف للانقاذ كشوكة حوت في حلقها.

كسودانيين يضيرنا ان نكون في أي قائمة تجعل منا أمة غير مسالمة أو شعباً مهوساً يشعل وقود الحروب تحت دعاوى عنصرية أو دينية أو يتاجر في الرقيق. والحكومة التي انتظرت التقرير خلسة ابدت عدم الاكتراث به.

اذا كانت الانقاذ تظن بأن الادارة الحالية ستغض الطرف عن أس المشكلة التي تتلخص في مسألة الحرب والسلام في عموم السودان فهي مخطئة، وان كانت تسعى لاقامة علاقة «خاصة» مع اميركا فذلك يتطلب التنازل عن ثوابت انقاذية كثيرة يصبح التنازل عنها اقصاء لكل الاسس التي قامت عليها الانقاذ. والحق يقال ومنذ مجيء الجمهوريين إلى السلطة في واشنطن لم تقدم الانقاذ ما يشفع لها امامهم لتليين اسلوب الخطابة، ناهيك من رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب.

فالحرب في الجنوب يستعر أوارها كما هي في الشرق والجنوب الشرقي، ومسألة الاعتقالات لأسباب سياسية تتعاظم، وما زال حسن الترابي رهين السجن لا لسبب سوى انه قال بأحقية اقرار السلام مع الجنوب وضرورة وجود حكومة ديمقراطية تتقيد بنصوص تجعل من المواطنة اساس كل التسويات، ناهيك من الذي يدور ويحدث في دارفور بعيداً من اعين المراقبين والراصدين الذين يشخصون بأبصارهم نحو الجنوب فحسب في الوقت الذي يموت فيه الآلاف في ولايات الغرب ولأسباب تبدو للوهلة الأولى غير معروفة حتى وإن نسبتها الحكومة للنهب المسلح ونزاعات قبلية تؤججها بطبيعة الحال سياسة الانقاذ الضحلة.

لا ندري لماذا تفاجأت الانقاذ بوجود اسمها ضمن تلك الدول، وهل هذه مسألة تثير الحساسية، فهي ضمن تلك القائمة منذ عام 1993 وكانت وقتها تباهي بأن تمسكها بالاسلام هو سبب عداء اميركا لها، وانها سعيدة بتلك القائمة... ما هو مصدر كدر السعادة لها الآن.. هل عادت الديمقراطية كما ينبغي ان تكون عليه؟ هل بالفعل اغلقت معسكرات تدريب الجماعات الارهابية، أم ان تلك الجماعات استعيض عنها بطلاب الخدمة الوطنية الذين يقتادون من الشوارع إلى محرقة الجنوب؟ هل اطلق سراح «سجناء الضمير» واطلقت الحريات في وطن لن يستقيم عوده ما لم تطلق فيه الحريات بدون قيود؟ والثروة البترولية هل اخرجت الناس من عوز المسغبة وفاقة الحرمان؟ بل يتساءل كل المتسائلين في الداخل والخارج: اين تصب اموال البترول (المرتفع الآن)؟ هل تصب لتغذية اطفال السودان أم انها تغذي المعركة المقدسة للانقاذ ضد الكفر والكافرين؟ حتى وان رفعت اميركا اسم السودان من القائمة السنوية في ظل وجود كل تلك الانتهاكات فان العالم من حولنا لن يرفع اسم السودان من ضميره لأن الذي يحدث هناك اكثر من الادانة واقرب إلى المجزرة، فلن تجرؤ أي إدارة الاميركية، جمهورية كانت أم ديمقراطية، على مغالطة الواقع ومنح السودان وسام الدولة المثالية التي تصون حقوق الانسان وتركل الارهاب. فإذا كانت الحكومة تنتظر مثل ذلك التكريم من دون ان تتحرك لتغير مسلكها فهي واهمة وعليها ان تعيش الواقع كما تمارسه حتى يأتينا الفرج القريب.