إشعال الحروب الثقافية حول قضايا جدلية.. هل هو آخر هموم المجتمع المصري؟

TT

ما الذي جرى للناس في مصر حتى ينشغلوا بالصراعات الفكرية الداخلية العقيمة عن اللحاق بركب التقدم العلمي الرهيب وعن حشد القوى لمواجهة العدو الاسرائيلي المتربص بالامة العربية جميعها؟ هل فرغت مصر من حل كافة مشاكلها المستعصية حتى يصبح اكبر همنا هو اشعال الحروب الثقافية العقيمة والسفسطة حول قضايا جدلية كان لا بد ان نحسمها قبل قرن من الزمان على الاقل؟! فمنذ اكثر من عام على وجه التحديد والحروب او الازمات الثقافية الطاحنة تكاد تعصف بالمشهد الثقافي المصري: من ازمة «وليمة لاعشاب البحر» الى ازمة الروايات الثلاث التي اصدرتها وزارة الثقافة مؤخرا، ومن دعاوى تكفير الدكاترة نصر حامد ابو زيد وعبد الصبور شاهين ونوال السعداوي الى البيان الاخير الذي يكاد يحرض علنا على اهدار دم الشيخ خليل عبد الكريم وناشر كتابه، هذا على سبيل المثال لا الحصر. وهي كلها حروب مصطنعة وعديمة الجدوى لان اطرافها آثروا ان يصارعوا طواحين الهواء وليس الاعداء الحقيقيين المتربصين بنا وما اكثرهم. وفي كل حرب ثقافية جديدة تنشب في مجتمعنا نجد ان شيئا بالغ البساطة والاهمية شبه غائب تماما عن اذهان كافة اطراف الصراع: ان العلاقة بين حرية التفكير والابداع من ناحية وبين ضرورة احترام المقدسات والثوابت والتقاليد الدينية والاجتماعية من ناحية اخرى لا يجب ان تكون علاقة تناقض او تنافر واقتتال، وانما هي في الواقع يجب ان تكون علاقة هادئة متوازنة يسعى كل من طرفيها لاحترام الآخر والانفتاح عليه وتقويم آرائه وتفنيدها ولكن بدون تزمت او انفلات.

ان حل هذه الاشكالية باسرها يكمن في رأيي في موازنة بسيطة يجب ان تحرص كافة اطراف الحياة الثقافية، سواء في مصر او في العالم العربي، على احترامها: فلندع المبدع يبدع كيفما شاء، واذا رأى احد منا ان في هذا الابداع شبهة تجن على الحرمات والمقدسات او ازدراء بها فاذن من حقه ـ او قل من واجبه ـ ان يفند هذا الابداع ويرد على اوجه العيب فيه بالحجة والمنطق عبر الكتب والمجلات والندوات وغيرها من وسائل التعبير الحر، وذلك سعيا لتقويم المبدع ان حاد عن الطريق القويم. اما لو كان الرد على الابداع في صورة دعوات بغيضة للتكفير والحسبة والتفريق بين الازواج واستعداء العامة والتحريض على سفك الدماء، فان هذا هو الخطأ بعينه الذي لا يمكن ان يرتضيه ديننا الحنيف القائم على التسامح والتفهم.