السودانيون أفارقة أفارقة أفارقة وعاشرا عرب ومستعربة

TT

قرأت رد أحمد محمد ادريس من الرياض بتاريخ 2001/5/22، ناقضاً حديث الأخت كوثر شبيكة، الذي نشر على صفحة الرأي بتاريخ 2001/5/13، واعتراف كوثر بافريقية السودان قبل عروبته.

وأنا غير متأكد من أن كوثر شبيكة من أسرة المؤرخ السوداني مكي شبيكة أم لا، وهو مؤلف كتاب «السودان عبر القرون»، وهذا الكتاب تعرض أخيرا للنقد الموضوعي والعلمي ولتصحيح كبير لعله السبب والدافع لكوثر بأن تصل إلى حقيقة أصل أهل السودان.

زيادة على ذلك وجودها خارج السودان وتعامل الناس معها بالخارج ووجود وثائق تاريخية مهمة عن السودان. ظل السوداني يعاني وسيظل يعاني من هذا التعند والاستخفاف بحقيقة أصل السودان.

إذا كان دخول العرب إلى السودان بدأ في نهاية القرن الثالث عشر وبداية القرن الرابع عشر الميلادي، فإنهم وجدوا السودان بأهله وسكانه ومجتمعه الافريقي. والمجال لا يسمح بالسرد التفصيلي لهذه الحقبة الكبيرة، لكن لا بد من البدء في كشف جذور وأصول الإنسان السوداني المعاصر، على الرغم من محاولة الاستلاب الثقافي واللغوي المستمرة.

أقولها صراحة وهي الحقيقة ان خمسة وستين في المائة من سكان السودان كله الآن هم افارقة صرف، ونسبة كبيرة من البقية تجري في عروقهم الدماء الافريقية خليطاً بينها وبين عرب وأجناس أخرى.

وهذه النسبة لا تشمل الأشقاء الافارقة الذين نزحوا إلى السودان في منتصف ونهاية القرن الماضي. والذين يصرون على أن جنوب السودان وحده يقطنه افارقة، لهم عقلية استعمارية واستغلالية معروفة، وهي سبب كل الذي جرى ويجري للسودان.

لو تحدثت بشيء من التفصيل المبسط قليلا عن بعض الحقائق، لبدأت بسكان شمال السودان الأصليين، فهم من النوبة: دناقلة ـ محس وبرابرة وحلفاويون، وهم أبناء عمومة النوبة الموجودين الآن بإقليم كردفان، منطقة جبال النوبة، وأنهم هاجروا إلى هذه المنطقة بعد دخول الشراكسة والأرمن قبل آلاف السنين.

وان سكان المستنقعات وما يعرف بجنوب السودان، كانت قبائل نيلية تقطن على ضفاف النيل من شمال السودان إلى وسطه محازية للنيل وتحركت بسبب زحف الوافدين من الشمال إلى أن استقرت في المنطقة التي تعرف الآن بجنوب السودان.

أما عن وسط السودان، فهم خليط ويغلب عليهم الأصل الافريقي. وشرق السودان من بني عامر وهدندوة وبجا، جلهم افارقة. ومنطقة النيل الأزرق سكانها الأصليون هم الفونج والانقسنا والقمز، وهم افارقة لا شك في ذلك.

وأهل كردفان يمكن ان نقول إن أغلبهم من أصول عربية أو مستعربة وبينهم النوبة والداجو، منطقة لقاوة. ولو وصلنا إلى دارفور نجد أن السكان الأصليين هم الفور والتنجر، الداجو، والبرقو، والبرتى، والقمز، والماليون، والزغاوة.

وهذه الأغلبية العظمى لسكان دارفور وهم أفارقة، أفارقة. أقول للأخ أحمد محمد ادريس ولكثيرين مثله ممن يحملون نفس الفكر، إن الدين واللغة والثقافة مهما تعمقت ورسخت لن تغير أصل الإنسان.. قال تعالى: «إنا خلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، صدق الله العظيم.

العلم اليوم أوضح بجلاء الخريطة البشرية للإنسان (الجنيوم)، والعلم قادر على تحديد العلاقة الشعوبية بين البشر والوصول إلى حقيقة كل مجموعة شعوبية بصرف النظر عن اللون أو مستوى المعيشة، وكل ذلك من الحامض النووي أو غيره مما يدخل في علم الجينات الوراثية البشرية.

إن مشكلة السودان الحقيقية هي إصرار الأقلية العربية على تحويله الى دولة عربية بأي شكل من الأشكال، وجوداً وتاريخاً وإنساناً وحاضراً ومستقبلاً، بل حتى الماضي البعيد، ناسين أو متناسين إحساس ومشاعر وحقوق السكان الأصليين.

القضية ليست قضية جنوب السودان، كما يدعون، وليست تعند قرنق، وكما يصورون بأن كل افريقي في السودان يؤمن بما يؤمن به جون قرنق، لكن الأقلية الحاكمة لها أساليب عديدة في تفريق قوة الأفارقة في السودان.

القضية هي بين الافارقة سكان السودان الأصليين وبعض المتوهمين من المستعربة الذين وجدوا انفسهم في سدة الحكم بعد خروج المستعمر وظنوا انهم قادرون على إذابة كل ما هو افريقي في السودان ومن ثم الاتجاه إلى بقية الاقطار الافريقية الاخرى.

انها سوف تكون فتنة كبرى بين الافارقة والعرب إذا استمر العناد واستمرت المقاومة.