الجزائر تبحث عن أفراحها المنسية

TT

لقد انتظرت بشغف كبير مسيرة التجمعات التي نادى اليها شيوخ وعقال منطقة القبائل في الجزائر، وقد سعدت أيما سعادة بموافقة وزارة الداخلية والسماح لهم باجرائها وفق مخطط السير المتفق عليه، المحدد من ساحة الوئام (ساحة أول ماي) نحو ساحة الشهداء.

وقد غمرتني السعادة عندما اطلعتنا الصحف المكتوبة بالفرنسية ان عدد المشاركين سيفوق المليوني مشارك، وتمنيت كبقية المواطنين ان أشاهد المطلب الامازيغي، الذي يعتبر أحد الرموز العميقة للهوية الوطنية مع الاسلام والعروبة، يجسده أسود جبال جرجرة الأشاوس في الاهازيج والأغاني والرقصات والفنون التعبيرية لتتزين بها عاصمة الجمهورية، فتتناقلها القنوات الفضائية وتكتب عنها الصحف الدولية. وعوض ان يتجه زوار الجزائر الى معرض الجزائر الدولي في قصر الأمم فإنهم سيصطفون زرافات ووحدانا على طول مسار المسيرة يشاهدون تلك العروض، بل كم تمنيت ان يترك العارضون الأجانب اجنحتهم في المعرض ليأخذوا لهم صورا تذكارية مع الامازيغ في شوارع العاصمة.

فمن عاداتنا نحن سكان الجزائر ان نقيم الافراح ونعبر عن مطالبنا بألوانها الحقيقية غير المغشوشة حتى وان كنا نعيش أحلك الأزمات، لأننا نؤمن بأن النكتة تولد من رحم الأزمة، فالرجل الأزرق الساكن للطاسلي، الهادئ الطبع، يحاكينا بلباسه ونغماته الموسيقية ورقصاته القادمة من عمق التاريخ سكون الطبيعة الصحراوية التي كلما قست عليه زادته ابداعا وفجرت طاقاته الداخلية العفوية وألهمته روح الحياة التي يبحث عنها الاجنبي الزائر لصحرائنا فيجدها ترافقه في ترحاله وحول صينية شاي عند غروب الشمس.

لقد كنت أهيئ نفسي لحضور كرنفال بهيج ينسجه الامازيغ من عمق التاريخ كذلك، أو كما كان يهيأ لي أو أوحته لي تلك الصحف التي تعتبر لسان حال الديمقراطية في بلادي لكن أحد جيراني منعني من الذهاب قائلا:

ـ لقد ذكرت احدى القنوات الفضائية الاجنبية ان الشرطة اطلقت النار على المتظاهرين، فعدت ادراجي الى البيت مكسور الخاطر، أتابع عبر التلفاز الاحداث، فشاهدت ككل الجزائريين، الخراب الذي آلت اليه عاصمة البلاد.

بعد أيام من تلك المسيرة، تابعت عبر التلفاز فخامة رئيس الجمهورية يستقبل في جنوبنا المرحاب بالحفاوة والاهازيج، ليدشن رفقة اعيان المنطقة وشيوخها وعقالها ما يبعث الحياة في تلك الأرض الطيبة التي لولا كنوزها وعقول وسواعد ابناء الوطن جميعا لمتنا بردا أو جوعا ولاندثرت معالم الحياة في ربوع وطننا.

تلك الصحراء التي افتككناها من مخالب المستعمر بدماء الشهداء ومقابر جماعية للابرياء، ما زلنا نكتشفها لحد اليوم، فيها الرضيع والعجوز، وألغام مضادة للأفراد تطارد ابناءنا في ذهابهم للمدارس، امتزجت فيها أرواحنا قبل دمائنا من شرق البلاد الى غربها ومن شمالها الى جنوبها.

هذا المستعمر الذي اطلقت صحافته رصاص الفتنة على ابنائنا قبل المسيرة وخلالها، لأننا قررنا جميعا ان نعيد لسكان الصحراء كرامتهم وعزتهم، فنرد للصحراء الجميل لأنها اعطتنا الكثير وأعطيناها القليل القليل وتناحر المغرر بهم فينا في كنوزها فادعوا انهم يملكون الحقيقة المطلقة وهم المحقون في ما يقولون وما يفعلون، وما يخططون، ضاربين عرض الحائط طموحات الاغلبية الساحقة، الراغبة في الحياة في أمن وسلام، الباحثين عن أفراحنا المنسية، وكأنه ليس هناك إله منصف، قوانا بوحدتنا وأنصفنا بخيرات بلادنا، وثبت قلوب قادتنا، وأنار عقول شيوخنا وكشف للمرة الألف عورة اعدائنا، وان شاء القادر سينصر رئيسنا.