ما يحدث في السودان لا يحدث في افغانستان!

TT

نشرت جريدة «الشرق الأوسط» بعددها الصادر بتاريخ 2001/6/27 خبرا بعنوان «الترابي: حاكموني أو أفرجوا عني»، فاسمحوا لي بالتعليق التالي وإرسال هذه التساؤلات عبر «الشرق الأوسط» لوزير العدل السوداني، الذي تقع على عاتقه مسؤولية حماية المواطنين والدفاع عن حقوقهم ومراعاة بسط الحق والعدالة، وأبدأ القول بسؤاله في ألا يوافقني الوزير بأن اعتقال الترابي واحتجازه بهذه الصورة الحالية، حيث يقبع في إقامة جبرية ولا يقدم لمحاكمة منذ اعتقاله في 2001/2/21 وحتى اليوم، أي منذ نحو 129 يوماً، هو أمر يتعارض تماماً مع المادة 30 من دستور البلاد، التي تنص على أن الإنسان حر ولا يعتقل ويقبض عليه أو يحبس إلا بقانون يشترط بيان الاتهام وقيد الزمن وتيسير الافراج واحترام الكرامة والمعاملة؟.

ثم ألا يوافقني وزير العدل بأن وزارته تقوم ومع سبق الإصرار والترصد بانتهاك المادة 32 من الدستور التي تنص أيضاً وبصورة واضحة لا لبس فيها ولا غموض على أنه لا يجرم أحد ولا يعاقب على فعل إلا وفق قانون سابق يجرم الفعل ويعاقب عليه، والمتهم بريء حتى تثبت إدانته قضاء، وله الحق في محاكمة ناجزة عادلة، وفي الدفاع عن نفسه أو اختيار من يمثله للدفاع؟

ونطرح هنا أيضاً ذلك السؤال الذي ما زال يدور في أذهان ملايين السودانيين وهو أنه طالما ان الوزير قد قام بأداء القسم يوم تعيينه وزيراً للعدل وحالفاً بأنه سيحافظ على الدستور وألا يعمل على تقويضه ومخالفة بنوده، فما هو موقفه الآن من هذا الانتهاك الصارخ في حق المواطن الترابي؟ ولماذا يصمت عن هذا الاحتجاز الذي في جوهره يخالف مواد الدستور السوداني، وتحديداً المواد رقم (20، 21، 25، 30، و32) منه؟

ثم لماذا لا يقوم هذا الوزير بإعادة الحق لنصابه ويسكت أيضاً وطوال أربعة أشهر على هذا الانتهاك الواضح؟ ثم ألا يوافقني المسؤولون بالجهاز القضائي والقانوني بأنهم بسكوتهم عن هذا الخطأ في احتجاز الترابي قد فتحوا محلياً وعالمياً باب التساؤلات التي أصبحت مطروحة وبشدة هذه الأيام في الساحة السودانية حول لماذا يخاف هذا النظام والقابض على زمام الأمور بيد من حديد وطوال اثنتي عشرة سنة، من تقديم شيخ عمره 73 سنة للمحاكمة؟ ترى هل تخشى الجبهة الإسلامية في حالة تقديمه للمحاكمة أن يقول الترابي وفي دفاعه عن نفسه ما هو مثير وخطير، أو قد يقوم بكشف أسرار جديدة تقلب كل الموازين الموجودة في ساحة الصراع؟

وأخيراً لا نكتب هذا الكلام دفاعاً عن الترابي، بقدر ما هي حالة ملل السودانيين من سخف هذه «المسرحية» التي هي منذ عام 1994 كانت وما زالت حتى اليوم الشغل الشاغل في الدولة، والتي هي حالة يندر أن يجد المرء لها مثيلاً في أي مكان آخر في العالم، ولا حتى في أفغانستان!