النفط كسلاح.. تأثير العرب السياسي مرتهن بقدرتهم الاقتصادية

TT

ظهرت في الفترة الأخيرة، العديد من الأصوات سواء عبر الفضائيات العربية أو الصحافة العربية، ومن ضمنها «الشرق الأوسط»، مطالبة بقطع امدادات النفط عن الغرب كسلاح للضغط عليه للاستجابة للمطالب العربية المشروعة، وهي دعوة تفتقر للكثير من العقلانية وتأكد اننا نتخذ مواقفنا نتيجة للحظات عاطفية تفقدنا توازننا.

ما حدث في السبعينات عندما استخدم النفط كسلاح لدعم الموقف العربي كانت الظروف والمرحلة تختلف جذرياً عن ما هو قائم الآن. إذ كان الموقف في السبعينات أدى إلى ارتفاع أسعار النفط إلى ما يقارب 40 دولارا مما خلق طفرة نفطية جعلت الأموال تتدفق على الدول النفطية العربية لتساهم في إقامة العديد من المشاريع التنموية حتى أضحت هذه الدول وبالذات دول الخليج العربي تمتلك بناء متميزاً في خلال عقدين من الزمن. ولم تقتصر الاستفادة من خيرات الطفرة النفطية على الدول العربية النفطية، بل ان معظم الدول العربية غير النفطية استفادت من ذلك، عن طريق المساعدات المالية المقدمة من الدول النفطية العربية والدول الخليجية على وجه الخصوص والتحويلات المالية للعمالة العربية.

إلا أنه بالمقابل لم تقف الدول الغربية موقف المتفرج من ما حدث دعماً لحماية مصالحها الاقتصادية، فاتخذت ثلاث وسائل لعدم تكرار ما حدث ساهمت بشكل فعال في انهيار أسعار النفط في عامي 1986 و1998، وكان الانهيار يعني هبوط سعر النفط إلى أقل من 10 دولارات للبرميل، ناهيك من العجز الدائم لدول الأوبك للوصول إلى السعر المستهدف لسلة نفط أوبك.

الوسيلة الأولى التي اتخذتها الدول الغربية كانت إنشاء منظمة الطاقة العالمية، وتتولى هذه المنظمة متابعة السوق النفطية بهدف الحد من ارتفاع أسعاره عن طريق ضخ كمية من النفط تصل في بعض الأحيان إلى مليوني برميل، ولقد لعبت هذه المنظمة دوراً مؤثراً منذ أن أتى بها وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر.

الوسيلة الثانية تكوين المخزونات الاستراتيجية النفطية في الدول الغربية لمدة تصل إلى 90 يوماً من احتياج كل دولة من النفط، ولعل أشهرها المخزون الاستراتيجي الأميركي الذي متى ما كانت البيانات تشير إلى ارتفاعه سرعان ما تبدأ أسعار النفط بالانخفاض، ولقد تم استخدام هذا المخزون في أكثر من مرة ولعل آخرها في العام الماضي ابان الحملة الانتخابية الرئاسية الأميركية. فالدول الغربية قادرة على تلبية احتياجاتها لمدة ثلاثة أشهر، فهل تستطيع الدول العربية النفطية أن تبقى من دون %80 من مواردها المالية للمدة نفسها وهي التي تعاني أصلا من عجز في ميزانياتها.

الوسيلة الثالثة البحث عن مصادر بديلة للطاقة غير النفط والبحث عن اكتشاف مناطق جغرافية نفطية خارج المنطقة العربية. ترتفع حدة البحث عن البدائل والمناطق الجغرافية كلما ارتفعت أسعار النفط وتنخفض بانخفاض أسعاره. ولعل الدور الأميركي الذي تبنته الإدارة الديمقراطية في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون الداعم للشركات الأميركية بشكل قوي للتنقيب في منطقة بحر قزوين، شاهد على ذلك، بل ان تلك الادارة لعبت الدور الأكبر بتحويل مسار خطي النفط والغاز ليكون من باكو إلى ميناء جيهان التركي رغم أنه الأكثر تكلفة، هادفة من ذلك البعد عن مناطق التجاذبات السياسية في إيران وروسيا.

ان قطع إمدادات النفط العربي سيضر بمداخيل الدول العربية النفطية وبالتالي بالاقتصاد العربي ككل، وسيؤدي في الوقت نفسه إلى حث الدول الغربية لإيجاد وسائل أخرى أشد ضراوة من ذي قبل. إن هذه الدعوة تطلق من قبل أفراد، إما انهم لا يعون ما يقولون أو لغرض في نفس يعقوب مرتكزة على شعارات حقبة الستينات التي عفا عليها الزمن وأصبحت من سقط المتاع في زمن الثورة المعلوماتية والفضاء المفتوح. الأجدى نفعاً أن تكون الدعوة إلى الحفاظ على مستويات جيدة لأسعار النفط لأن ذلك سيؤدي إلى خلق نمو اقتصادي سيكون له أثر إيجابي على جميع الدول العربية وليس فقط الدول النفطية العربية مما يمكنها من التأثير السياسي، باعتبار أن تأثير فعلك السياسي رهن بقدرتك الاقتصادية.

ان التمتع باقتصاد قوي للدول العربية النفطية سيخلق دعماً أساسياً للموقف العربي للمطالبة بحقوقه المشروعة، أما ردود الفعل العاطفية التي تتخذ من المقولة الشمشونية «عليّ وعلى أعدائي» منهجاً حياتياً لها، فهي غير عقلانية وتطيل مرحلة التقوقع العربي.