ليس دفاعا عن حنان عشراوي.. ولكنها الحقيقة

TT

طالعت بشيء من الدهشة رأي سليمان السالم في العدد الصادر بتاريخ 24 يوليو (تموز) الحالي من جريدة «الشرق الأوسط» بخصوص اختيار عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية للدكتورة حنان عشراوي كناطقة رسمية باسم جامعة الدول العربية. ولقد أبدى السالم معارضته لهذا الاختيار مرة بصورة مباشرة لكونها امرأة مستنداً الى الحديث الشريف «لن يفلح قوم ولّوا أمرهم إمرأة»، ومرة أخرى بصورة غير مباشرة لكونها مسيحية. وختم رأيه باستنتاج تهكمي ان هذا المنصب لا يصلح إلا لرجل.

وأعتقد ان التوفيق لم يحالف سليمان السالم في كلتا الحالتين حيث أصدر احكاماً مطلقة وقام باحتكار الحقيقة بشكل تعسفي من دون وجه حق لأن في الأمر سعة.

فالحديث الشريف اختلف العلماء في تفسيره، وباختصار هناك من فسره على وجه يمنع حصول المرأة على أي منصب قيادي بصورة مطلقة، ويبدو ان السالم من أنصار هذا الرأي. ولكن بالمقابل ـ وهذا ما نميل اليه ـ هناك من حصره في رئاسة الدولة فقط، وزاد البعض قيادة الجيش والقضاء، بل هناك من حصره في حادثة تولي بنت كسرى ملك الفرس فقط. ومن هنا نرى ان عمل الناطقة باسم جامعة الدول العربية لا علاقة له بهذا الحديث الشريف.

وأما كون حنان عشراوي مسيحية فهذا مردود ايضاً لأن لأهل الكتاب الحق في تولي الوظائف في الدولة الاسلامية، إلا ما غلب عليه الصبغة الدينية كرئاسة الدولة وقيادة الجيش والقضاء. وقد نص المارودي صراحة في «الأحكام السلطانية» على جواز تولي أهل الكتاب منصب «وزارة التنفيذ». واما عن تهكمه بهذا الاختيار، فأجدني مضطراً للحديث عن بعض مزايا الدكتورة حنان عشراوي التي يندر توافرها مجتمعة في الرجال والنساء العرب. فهي حاصلة على الدكتوراه في الأدب الانجليزي وأستاذة في جامعة بيرزيت ومتحدثة سابقة باسم الوفد الفلسطيني في مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، ومن ثم مفاوضات واشنطن التي سبقت اتفاقية أوسلو سيئة الذكر. والدكتورة حنان نائبة «منتخبة» في المجلس التشريعي الفلسطيني، ووزيرة سابقة للتعليم العالي. الجدير ذكره انها استقالت من الوزارة احتجاجاً على الفساد المالي والتخبط السياسي في السلطة الوطنية الفلسطينية وهذه سابقة يندر وجودها في عالمنا العربي، حيث الوزراء يقالون او يلاقون الرفيق الأعلى! وهي ايضاً ناشطة في مجال حقوق الانسان وتنتقد السلطة الفلسطينية علناً في هذا المجال.

ولها كتاب جميل يروي سيرتها الذاتية بعنوان «This side of Peace» ولكن أهم المزايا هي اتقانها الانجليزية بصورة مذهلة وقدرتها الرائعة على الحوار والمناظرة في اللقاءات الصحافية والتلفزيونية.

وهنا أود ان أضيف رأياً ذاتياً وهو أن الدكتورة حنان تتميز بكمية هائلة من التواضع اضافة الى أخلاق رفيعة، حيث لا يشعر محدثها انه أمام هذه الشخصية الفذة، وهذا ما لمسه عن قرب جمهور معرض قطر للكتاب عام 1998 ومنهم كاتب هذه السطور.

الحقيقة التي لا جدال فيها أن جامعة الدول العربية كسبت الدكتورة حنان وليس العكس! والشكر اولاً وأخيراً لعمرو موسى لهذا الاختيار المثالي والموفق، ونحن بانتظار البدء بالاصلاحات الهيكلية الشاملة لتفعيل دور الجامعة العربية لتنتقل من طور ردة الفعل الى أخذ زمام البادرة في تناول قضايا العرب.