عمارة لم ينصف معاناة الشعب الكردي

TT

تحت عنوان «الغرب يلعب بورقة الأقليات»، تناول الكاتب محمد عمارة في «الشرق الأوسط» العدد 8243 وفي صفحة «دين» موضوع تعدد القوميات في بعض الدول العربية والإسلامية، ونحا نحو تحميل الدول الغربية مسؤولية الاضطرابات التي تنتج عن هذه الاختلافات، إذ حسب عمارة: فالغرب «يلعب بأوراق الأقليات القومية والثقافية في وطن العروبة وعالم الإسلام من مثل الأكراد والأمازيغ ومع الغرب في رسم هذا المخطط المعلن الحركة الصهيونية واليهودية العالمية وإسرائيل».

وهو بذلك وكما يبدو بوضوح، ينفي وجود أي اشكالية تستلزم الوقوف أمامها، إنما ينظر إلى الموضوع من زاوية ضيقة جدا، وذلك حسب المفهوم التآمري والترحيلي للمسائل عبارة عن تدخلات خارجية هدفها «اختراق أمننا القومي ومشروعنا الحضاري».

بداية بإمكاننا القول إننا قد نختلف مع عمارة حول العديد من المصطلحات التي استخدمها كمسلّمات ولن ندخل في سجال بخصوصها، فوجود أربعين مليون كردي وعلى رقعة جغرافية واحدة، يدلل فيما إذا كانوا «أقلية قومية» أم لا، كما ان مراجعة ولو سريعة لاتفاقية سايكس بيكو التي استهدفت تمزيق الأخوة العرب قبل الاكراد كفيلة بإزالة اللبس عما إذا كانت ارضهم «وطن عروبة» أم ارضهم التاريخية.

أما الأمر اللافت للنظر، والجدير بالوقوف أمامه، فهو هذه الاختزالية الفجة وغير المبررة لمعاناة الشعب الكردي، وغض الطرف عن الحيف الواقع عليه وإظهاره بمظهر اليد الخارجية الممتدة إلى دول المنطقة، وهو ما لا يمت للحقيقة بصلة، وهي تهمة يَدحضها الواقع والتاريخ وفيها الكثير من الجور والتحامل على هذا الشعب الذي كانت له أيادي بيضاء في توطيد دعائم الخلافة الإسلامية وحمايتها، وردّ العديد من موجات الغزو التي قصدت شعوب الشرق الأوسط جميعا، كما كان لأبناء هذا الشعب شرف قيادة الشعوب الإسلامية نحو تحرير القدس الشريف بقيادة الناصر صلاح الدين الأيوبي. وفي العصر الحديث، احتل الشعب الكردي طليعة المقاومين للاستعمار الغربي باذلا الغالي والرخيص لإجلاء القوى الدخيلة رافضين العيش تحت رحمة سلطان الاحتلال واضعين يدهم بيد اخوانهم من الشعوب المجاورة لتحقيق الاتفاق والاستقلال عن المستعمر الباغي.

إلا أن نصيب هذه الأمة التي قسمتها الاتفاقيات الغربية أقساماً أربعة لم يكن إلا الإبادة والاضطهاد والتنكيل والتشريد على يد الأنظمة التي وقعت تحت حكمها والمعروف أن ما لقيه الأكراد من اخوانهم في الدين لأشد وأدهى مما ذاقوه على يد المستعمر الأوروبي، وتتالت الاتفاقات التآمرية بين الدول الإقليمية وبمباركة غربية مستهدفة الشعب الكردي في وجوده والحد من النشاط التحرري الذي أخذ يدبّ في كل شبر من كردستان وذلك كردّ على سياسات الإبادة والإنكار فكانت اتفاقية «سعد أباد» و«حلف بغداد» الذي لم يخف نياته تجاه الحركة الكردية، كذلك «اتفاقية الجزائر» بين شاه إيران وصدام حسين التي هندس لها آنذاك هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأميركي.

وهنا أتوجه بالسؤال للكاتب عمارة: من يا ترى فتح «الثغرات» في جدار الوحدة الوطنية وأفسح المجال واسعاً للغرب للدخول إلى المنطقة؟، الأكراد المغلوبون على أمرهم أم الأنظمة التي استبدت بهم وحالت دون أدنى حقوق لهم؟، وفي أي شيء يخدم «مشروعنا الحضاري» تجريد حملات التعريب والتتريك والتفريس ضد هذا الشعب؟، وقد قال سبحانه وتعالى: «ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم».

وهل يكون حماية «أمننا القومي» بالتكتم على التطهير العرقي الذي مورس وما زال يمارس بحق أبناء هذا الشعب الأعزل وقد قال جل وعلا: «وخلقناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا».

نعم الأيام أياماً اعتلى فيها محيي الدين قاضي الشام منبر المسجد الأقصى المبارك ونشوة النصر تملأ صدور الناس ممن جمعتهم كلمة الحق والأخوة والوفاء وقد طردوا الغزاة الفرنج شد طردة ليبدأ خطبة الجمعة بقوله:

الحمد لله ذلت دولة الصليبي وعز بالكرد دين المصطفى العربي وبئسها من أيام يوم تنخر مسامعنا شعارات عفلقية بالية تمس أنصع صفحات المجد في تاريخنا من التضامن والتسامح والمحبة.