العسل السوري... والنحل العراقي!

TT

من الظواهر الغريبة التي تثير الانتباه والعجب، ان مناحل العسل العراقية قد توقفت فجأة عن انتاج العسل، وان النحل العراقي قد اصبح عاجزا عن ضخ العسل، وقد تحول فجأة الى مجرد دبابير عقيمة لا تملك الا الطيران فوق الاغصان الجافة والورود اليابسة.

يقول خبراء التصنيع العسكري في بغداد: ان القنابل والصواريخ التي استخدمتها الطائرات الاميركية والبريطانية في غاراتها الاخيرة كانت تبث اشعاعات خاصة ضد البيئة الحيوانية، وكان من ظواهرها الاولية انها استطاعت ان تصيب النحل العراقي بالعقم، وربما استطاعت بعد ذلك ان تلحق الاذى والضرر ببقية المخلوقات الضعيفة، وربما أدت الى توقف الدجاج العراقي عن انتاج البيض، وقد تؤدي ايضا الى تراجع مستمر لقدرة الابقار على انتاج الحليب، بل ربما اصابت بقية الطيور والحيوانات اللبونة بعاهات مستديمة تجعلها مخلوقات مستهلكة وغير منتجة.

ولكن هناك مفسرين آخرين لا يتفقون مع هذا الرأي المتشائم ويذهبون الى ان السبب في ضمور وعجز النحل عن انتاج العسل هو حالة الجفاف الشديد الناجمة عن حبس تركيا لمياه الفرات ودجلة من التدفق الى الاراضي العراقية، مما أدى الى انحسار مساحة الاراضي الصالحة للزراعة وبالتالي الى جفاف اشجار الورود والزهور التي يعتاش النحل على رحيقها وقطرات الندى التي تتجمع على اوراقها.

بل ان هناك معلقين زراعيين يقولون: ان النحل عندما لم يجد امامه ما يرتشف من رحيق ندى الزهور والورود، فقد تملكته حالة من الكآبة والعدوانية والجوع فعاد ليلتهم العسل الذي كان قد انتجه، وربما بعدئذ سيلتهم ايضا اقراص الشمع، التي صارت مقبرة لفرق النحل ولملكة النحل ايضا.

هذه المناظرات الكلامية التي تخلط بين الجد والهزل، انما اثيرت وذهبت كل مذهب، وتكاثر حولها المفسرون والدارسون لهذه الظاهرة العجيبة بعد ان بدأ «العسل السوري» يغزو الاسواق العراقية، وبدأت العبوات الزجاجية الصغيرة الانيقة تلتمع وتتلألأ بالعسل الذهبي الجذاب، والتي احتلت رفوف المخازن والسوبر ماركت ومخازن تجار الجملة والمفرد، الذين بدأوا يشدون الرحال، زرافات ووحدانا الى بلاد الشام لاستيراد المزيد من العسل السوري الذي بدأ يلاقي اقبالا لا نظير له من العراقيين الذين يتهافتون على شرائه والتهامه ومن ثم عقد المناظرات والمحادثات لمقارنته بالعسل العراقي وبالنحل العراقي الذي اختفى خجلا، بين اكوام الاعشاب والاغصان اليابسة.

يقول احد خبراء السوق في هذا الشأن:

ـ ان النحل السوري يمتاز بالحيوية والنشاط والكفاءة والقدرة على العمل الدؤوب وانتاج العسل الجيد.

ـ ان العسل السوري يمتاز بالصفاء والشفافية واللون الاصفر الذهبي اللماع والجذاب. وهو ما يفتقد في العسل العراقي.

ان العسل السوري انما يفوح بالروائح العطرية التي تعبق بها بساتين الغوطة ودمشق، بينما يبقى العسل العراقي بلا لون ولا طعم ولا رائحة.

ـ واخيرا فان كمية الحلاوة والسكر في العسل السوري مميزة ومشبعة ومغذية مفيدة وفيها شفاء للناس. على العكس من صفات العسل العراقي، القليل الحلاوة والنكهة والذي لا يحتوي على اي فيتامينات مغذية او مفيدة.

على ان اكثر التعليقات جدا ومزاحا ما يقوله بعض رجال الفكر والادب في بغداد من ان النحل العراقي قد تعرض لاشعاعات القنابل الاميركية. فاصيب بمرض فكري غريب وهو قراءة الكلمات العربية بطريقة معكوسة، فصار يقلب الحروف، ويقدم ويؤخر، ويجعل اواخر الكلمات بداية لها.. بالعكس. كان يقول (لحن) بدلا من كلمة (نحل). ثم صار يقول كلمة (لسع) بدلا من كلمة (عسل) وبذلك ضاع عليه الامر، فتوقف عن مهمة صنع العسل، لينصرف الى كتب اللغة، وليمارس خلال فراغه عمليات لسع المواطن العراقي، الذي صار هو الآخر يفضل العسل السوري نكاية في النحل العراقي.