التبادل التجاري بين مصر والعراق.. ما المقصود به وليس في العراق سلعة صالحة للتصدير؟

TT

نشرت «الشرق الأوسط» (20/8) في نبأ لها من بغداد، ان المصادر العراقية الرسمية قد افادت بان اتفاقية السوق الحرة بين العراق ومصر وضعت موضع التنفيذ في منتصف الشهر الجاري. حول هذا الخبر لي هذا التعليق:

ان الاتفاقية المذكورة التي سارع وصادق عليها الجانب العراقي في 26 فبراير (شباط) الماضي لا تزال حتى تكون نافذة تحتاج الى موافقة مجلس الشعب في مصر، وحسب علمنا فان المجلس المذكور لم يصدق عليها حتى الآن... هذا من حيث الشكل.

اما من حيث الموضوع، فلو فرضنا ان مجلس الشعب المصري قد أقر هذه الاتفاقية، فما هي سبل تنفيذها وتنفيذ غيرها من الاتفاقيات المماثلة التي عقدها العراق مع الاردن وسورية ولبنان وتونس، ووعد كلا من هذه الاقطار بان يرتفع حجم التبادل التجاري ليصل الى ملياري دولار؟ (... ماذا بقي لروسيا؟) يقول الخبر المذكور: تطمح القاهرة وبغداد الى رفع قيمة التبادل التجاري بينهما الى 2.5 مليار دولار قبل نهاية السنة الحالية.

فما هو المقصود بالتبادل التجاري، وليس في العراق سلعة واحدة حاليا صالحة للتصدير الى مصر، اللهم الا تهريب النفط واليوريا والكبريت والحيوانات الحية؟

كما انه لا توجد سلع مصرية جاهزة للتصدير الى العراق لسبب بسيط جدا هو انعدام وجود الاموال العراقية الحرة القادرة على استيراد هذه البضائع المصرية، خاصة ان الطرف المصري يشترط الحصول على اثمان البضائع نقدا ومقدما، او بطريق مصرف اردني معتمد وبخطابات اعتماد مضمونة.. وهو ما يعجز عن تنفيذه القطاع العام والخاص في العراق.

ان التبادل التجاري بين الطرفين غير المتكافئين غير ممكن بل هو مستحيل في ظل ظروف الحصار والتزام مصر بقرارات هيئة الأمم المتحدة، وكذلك التزام دولة الممر (الاردن) بذلك. حتى ان المعارض المصرية التي اقيمت في العراق قد فشلت في تسويق كامل منتجاتها ونماذجها الى الجمهور بسبب تعليمات الجهات المصرية المسؤولة التي الزمت العارضين بردها الى مصر، وبسبب رفض الجهات العراقية نفسها السماح ببيعها ايضا، وفي المقابل، فان الجناح العراقي المتواضع جدا في معرض القاهرة الدولي الأخير قد منع هو الآخر من بيع نماذجه الى الجمهور، واعيد شكل معروضاته المتواضعة في صناديقها الى العراق وقبل ان تنتهي دورة المعرض.

فما هي اذن البضائع العراقية، التي يشير اليها الخبر والتي انتجها القطاع الخاص والمختلط والاشتراكي والتي لاقت رواجا منقطع النظير في المعرض، وهذه البضائع المجهولة الخيالية لم تكن موجودة في معروضات الجناح العراقي، بل هي غير موجودة اساسا في الاسواق العراقية ذاتها...

واستطرادا، اذن ما هي البضائع التي ينوي العراق عرضها في معرض المنتجات العراقية المزمع اقامته بين 15 و25 سبتمبر (ايلول) القادم، والمصانع العراقية كافة من قطاع خاص، الى مختلط، الى اشتراكي، متوقفة عن الانتاج وغائبة عن الوعي.. لعدم توفر المواد الاولية اللازمة للانتاج! فاذا كان العراق على هذا المستوى الاقتصادي الذي يشير اليه الخبر السعيد، فما حاجة العراق اذن الى استيراد البضائع من كل صنف ومن كل لون بالملايين بل وبالمليارات، من مصر وسورية ولبنان والاردن وتونس وربما اليمن؟

ان التلويح بهذه الارقام المعسولة ليس القصد منه طبعا تنمية الصادرات العراقية المعدومة اصلا، ولكنه مجرد اغواء واغراء لبعض الجهات والمؤسسات والشركات العربية لتركب الطائرات الفارهة وللهرولة الى بغداد. ثم بعدها ينقشع الغبار عن الهرولة، وتخيب الآمال، فاذا الأمر كله لا يتجاوز قيود برنامج «النفط مقابل الغذاء والدواء والكساء» والذي تديره وصاية عن العراق القاصر، لجنة 661 التابعة لهيئة الأمم المتحدة، التي يكون قولها هو الفصل، فعندها الخبر اليقين والقرار الأخير.. فاليها تشد الرحال.. وتحلو الهرولة.