لو استطاع العرب إخراج السودان من الجامعة العربية لفعلوا

TT

بتفضيلي واعتنائي لجريدتكم الغراء «الشرق الأوسط» دون سائر الصحف العربية، لاحظت أنكم فتحتم باباً لقرائكم السودانيين ليتنازعوا فيه حول عروبة وافريقية السودان. وقد ظهرت في كتاباتهم أخيراً كلمات حادة تنبئ عن عنصرية قبلية وعرقية خطيرة، أثارت في نفسي خوفاً من أن تكون نواة لمشكلة جديدة بجانب المشاكل الكثيرة المتفاقمة والمستعصية التي يعاني منها السودان منذ استقلاله في خمسينات القرن الماضي، بل قبل ذلك بسنوات.

أود أن يلاحظ هؤلاء السودانيون أن الحريصين على مصلحة وطنهم في السودان يجاهدون ويبذلون كل إمكاناتهم لمحو النعرات العنصرية والعصبية السائدة في السودان، ليس بين الشمال والجنوب فقط، ولا بين الشرق والغرب، بل بين بطون وافخاذ القبيلة الواحدة، وبين سكان المنطقة والمنطقة الأخرى. وليس سهلاً أن نثير مثل هذا الكلام بكل هذه البساطة على صفحات الجرائد، فأثره سيكون سنين ودهوراً من البقاء في التخلف والانغلاق وقصر النظر. وليس أدلّ على هذا الانغلاق وقصر النظر من أن يكتب أحد الذين يعيشون في فرنسا ـ مهد الحضارة والتقدم في هذا القرن ـ ان الفرعون الاسود اعظم من عبد الله بن ابي السرح، وان قبيلة كذا دخيلة على السودان، وان قبيلته احسن القبائل!، هذا إذا كان يعيش في فرنسا وكتب ما كتب، فماذا يفعل الذي يعيش داخل غابات واحراش الجنوب وجبال النوبة وتلال البحر الاحمر؟! ليطمئن الجميع فبعض العرب، غير راضين عن انتماء السودان للعروبة. ولو استطاعوا اخراجه من الجامعة العربية لفعلوا! والافارقة ينظرون إلينا، لا كما ينظرون إلى افريقيا السوداء، وهذا واضح من مساعدتهم للتمرد الذي يقوده جون قرنق، رغم أن مصالحهم توجب عليهم الوقوف مع النظام القائم وتحقيق السلام في السودان، فالسلام هنا مرتبط بالسلام في بلادهم. فلا نحن عرب ولا نحن افارقة، فمن نحن إذن؟! نحن في رأيي سكان لوطن عظيم يضم بين جنبيه ما لم يملكه وطن آخر في افريقيا ولا آسيا ولا غيرها!.. اراضي ممتدة ومياهاً عذبة وفيرة وكل مناخات الدنيا، وداخل هذه الارض كل ما خلق الله من بترول ومعادن، من الحديد وحتى اليورانيوم مروراً بالذهب والفضة والنحاس وغيرها، وغيرها من الأيدي العاملة الماهرة والخبرات في كل المجالات، والأهم من كل ذلك هذا الشعب الذي أحب تلك الارض وقدسها ومات من أجلها. ان السودان، كما قالت الولايات المتحدة «مارد يجب ألا يخرج من قمقمه»..

عموما، ما عاد العرب مثل عبد الله بن أبي السرح ولا المعتصم، كما لم يعد الافارقة مثل باتريس لوممبا أو احمد نكروما، لذلك دعونا من إثارة الفتن ولنعمل بالمثل الشعبي الذي يقول «أنا وأخويا على ابن عمي وانا وابن عمي على الغريب»، ولنخرج المارد من القمقم لينطلق ويغير موازين القوى في العالم.