البيت الأبيض والبيت الأغبر الافغاني .. والهروب من المبارزة

TT

تماما كما كنا نفعل حينما كنا صغارا، طلب وزير خارجية حركة طالبان اقامة مبارزة بين بوش وتوني بلير من جهة، والملاّ محمد عمر زعيم الحركة ـ لوحده ـ من جهة أخرى، مشترطا اقامة المبارزة في ساحة يتم تحديدها وبيد كل منهم رشاش كلاشنيكوف لبيان من هو الشجاع ومن هو الجبان الذي سيفر من الساحة.

ها قد وصلت الحرب مرحلة الملهاة. عشرات المليارات من الدولارات يتم رصدها لاصطياد رجل متكهّف في مكان ما، ببلاد لا يذكرها الذاكرون الا لماما، بينما يتسابق قادة البلاد الذين طالت ألسنة النيران أطراف تلابيبهم في اطلاق التصريحات الهوائية، يمازحون الصحافيين ويطلقون القفشات، لقد مضى أكثر من شهر منذ أن بدأ القصف الأميركي على هذه البلاد سيئة الطالع. بيوت من الطين كالحة ألوانها كأنما وضعت على وجهها ماكياجا من مسحوق الغبار، يقف أهلها أمام أبوابها الخشبية المهترئة ينظرون الى الغرباء بمزيج من الشك والفضول، كأنهم ليسوا جزءا من هذا العالم. عند سماع ما نقل عن وزير خارجية الحركة، يتخيل المرء الرئيس بوش وتوني بلير، وقد أعتمر كل منهما قبعة من القش، مباعدين أرجلهما، بانتظار للحظة المناسبة للبدء في اطلاق النار، تماما كما يحدث في أفلام رعاة البقر، بينما يطل، من الجانب الآخر، الملاّ محمد عمر متسربلا بالزي الأفغاني التقليدي يقول: هل من مبارز؟ لا بد أن وزير خارجية الحركة قد نسى أن (الفرجة) لا تكتمل الا بظهور الضيف (بن لادن) الى جانب مضيفه الملاّ محمد عمر، حتى لو من باب مناصرة المؤمن لأخيه. أليس هذا ما دعا اليه مؤخرا؟

مثل هذا التصريح المنسوب الى وزير خارجية الحركة، غير مناسب اطلاقا في هذا الظرف العصيب ويعطي مؤشرا خطيرا للعقلية التي تتعاطى بها حركة طالبان الحاكمة مع هذه الأحداث الزلزالية، تماما كمن يطلق النكات بصوت عال في بيت عزاء. وسواء أقر تنظيم القاعدة، صراحة، بتنفيذ تفجيرات نيويورك وواشنطن أم لم يفعل، يتبارى فرسان الفضائيات، هذه الأيام، بالتشكيك في نسب التفجيرات لتنظيم القاعدة الذي يتزعمه أسامة بن لادن، في الوقت الذي لم ينف التهمة عن نفسه في أشرطة الفيديو التي يدفع بها، بين الحين والآخر، الى وسائل الاعلام، بل اقر بقيامه بها، بحسب شريط الفيديو الذي حصلت عليه المخابرات الاميركية اخيرا. لقد جيشت الولايات المتحدة العالم بأسره (معنا أو ضدنا) وأسرجت قاذفات بي52 (الاستراتيجية) وطائرات بي2 (الخفية) والأباتشي (صائدة الدبابات)، قوات خاصة وعامة، وأخرى بين بين، قصف تمهيدي يعقبه قصف تمشيطي، قرى تزال من على وجه الأرض وأبرياء يرحلون دون أن يقام لهم نصب تذكاري، بينما وزير خارجية الحركة، المستهدفة ضمن آخرين، يطلق النكات بصوت عال في سرادق العزاء.