النكتة العربية في مواجهة الإرهاب

TT

كانت الحماقة موضوعا للنكتة العربية، سواء بخصوص الفرد او بخصوص المرحلة، لأن الحمق لا يخلو من العجلة التي تقود للضحك، ولا يخلو من الغرور الاجوف او الغفلة او الظلم او الدسيسة بين خيار الناس لاننا لو كنا نفهم ان شر البلية ما يضحك، فإن الارهاب في عصرنا اول اهداف النكتة العربية لانه ليست هناك بلية اكبر منه ابتلانا بها هذا العصر، ومن كبار الحمقى في التراث العربي، من الذين جسدوا عيوبا تجاوزتهم الى الحياة الاجتماعية والى العالم، هبنقة، ذلك الرمز وليس الشخصية الذي كان اذا رعى غنما جعل يختار المراعي الجيدة للسمان وينحي المهازيل ويقول: لا اصلح ما افسده الله، ومنهم جحا الذي الصقت به كل معايب العصور وكوفح في شخصه كل انواع الانحرافات والعلل وحكي انه تبخر يوما ببخور فاحترقت ثيابه فغضب، وقال: والله لا تبخرت الا عريانا. فكافحت النكة العربية المغفلين في شخصيات ضاحكة حتى تجرد الحياة من سلاح العنف، تلك الغفلة التي تقود الى القتل والجريمة، فكأنما كانت حرصا على الامن، قال الاصمعي: رأيت اعرابيا يضرب امه فقلت: يا هذا اتضرب امك؟ فقال: اسكت فإني اريد ان تنشأ على ادبي، وكافحت النكتة فساد الاذكياء والقساة وردتهم على اعقابهم بنفس الذكاء مثلما كافحت المتخفين بليل بنفس حيلهم وما اكثرها. ويحكى ان رجلا سرق حمارا، فأتى به السوق ليبيعه، فسرق منه، فعاد الى منزله فقالت له امرأته: بكم بعته؟ فقال لها: برأس ماله.

الانسان حيوان ضاحك لانه يبحث عن الامن وعن تطهير الذات، والضحك سلاح ذو حدود كثيرة، قد يضحك الموتور وهو حزين، والكئيب وهو على حافة الانهيار، والمتعب وهو على هاوية النوم، او وهو يفكر في الانتقام وتحييد الآخرين وردهم الى حدهم الطبيعي، ويكثر هذا الضحك في المجتمعات التي تعطي الفرد حرية ما وتخاف ان يضر بها الآخرين ويصبح بالتالي مغرورا وان شئت ارهابيا، وهو ضحك السخرية، ولما كانت النكتة في التراث تحث الانسان على الحياة وتكشف له الاخطاء كي يتعلم التسامح ويرى جوانب الاشياء فإنها تقف سدا كي تنقح الاتجاهات الداعية الى التغول على امن الآخرين على اسس الغفلة والتمادي وبتر القوة.

الضحك اول سلاح سلمي عرفته البشرية واول عصا تعليمية رفعتها المجتمعات ولا يحتاج في تصويبه الى ليزر ولا يصيب ابدا بريئا وحتى لو اصاب مجرما، فإنه لن يقتله، بل سيحييه، فارسال مظروف بريدي متفجر يحتوي على ضحكة بدلا من الانثراكس سيشكل هبة مفرحة ولحظة وعي لمن يفتح المظروف حتى، وان لم يعرف مرسله، وبما ان الدول الكبرى بعد هدم جدران العبوس تعاني من اكبر تغير بعد الحرب العالمية وهو انها لم تعد تشعر بالامن ولم تعد تفهم ان امتلاكها للاسلحة الفتاكة يمكن ان يشكل رادعا للآخرين ولهذا تتهم بعضها بعضا سرا وتتهم نفسها علنا، فالبنسبة لها الآن سيان ان تمتلك الدول الفقيرة او الصغرى اسلحة فتاكة او لا، ولن نفهم والحال هكذا الا ان سلاح النكتة سيكون الاكثر انتشارا في العالم لرخص سعره ولعدم تلويثه للبيئة ولانه الاقدر على انارة النفوس في الغرف المظلمة ولانه وهذا هو الاهم لن يُرسل في مظاريف من قبل الارهابيين، فهذا زمانك يا جحا وليس زمان الاباتشي.